علي جمعة: الإمام مالك أطلق أربعين نسخة علمية من الموطأ

كشف الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس، مؤسس المذهب المالكي، لم يكن مجرد كتاب تقليدي في الحديث والفقه، بل كان مشروعًا علميًا حيًّا ومتجددًا عبر الزمن، أصدره الإمام مالك في أكثر من أربعين نسخة مختلفة، تمثل كل منها إصدارًا علميًا محدثًا يعكس تطور اجتهاداته الفقهية.
وقال الدكتور علي جمعة، خلال حواره في بودكاست "مع نور الدين" على قناة الناس، الأحد، إن الإمام مالك لم يتعامل مع الموطأ كنص مغلق، بل ظل يقوم بتعديله وتحديثه على مدار سنوات طويلة، قائلًا: "كان كل من يروي الموطأ عن الإمام مالك، ينقله بنسخة مختلفة، حسب أحدث مراجعة قام بها الإمام، كأننا نتحدث عن إصدارات جديدة لكتاب واحد."
أربعون رواية للموطأ
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء، أن الموطأ وصلنا في أكثر من أربعين رواية، نقلها عن الإمام مالك عدد من أعلام الأمة، أبرزهم: "الإمام الشافعي، مؤسس المذهب الشافعي؛ الإمام محمد بن الحسن الشيباني، أحد كبار تلاميذ الإمام أبي حنيفة؛ يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، صاحب أشهر رواية معتمدة للموطأ؛ أبو مصعب الزهري، وغيرهم من جهابذة العلم".
وأشار جمعة، إلى أن تعدد الروايات لم يكن ناتجًا عن اختلاف النقلة أو ضعف التوثيق، بل نتاج المراجعة المستمرة من الإمام مالك نفسه، الذي كان يضيف أو يحذف أو يرجّح بين الروايات بحسب ما يتوصل إليه من علم وفهم في كل مرحلة
موطأ الإمام مالك
أكد الدكتور علي جمعة أن هذا التعدد في نسخ الموطأ يعكس عبقرية الإمام مالك، ويُبرز أحد أبرز ملامح الحيوية الفكرية في الفقه الإسلامي، حيث لم يُقدّس العلماء النصوص دون نقد أو تعديل، بل تعاملوا معها ككائنات حية تنمو وتتكامل.
وقال: "الناس بتفتكر إن الكتب الفقهية زمان كانت نسخة واحدة وخلاص، لكن الحقيقة إن الإمام مالك كان كل شوية يراجع ويوسع ويضيف، فالموطأ عاش معاه وتطور معاه، واللي عنده نسخة غير اللي عند غيره."
الموطأ.. جسر بين المذاهب
وأشار جمعة إلى أن موطأ الإمام مالك لم يكن حكرًا على المدرسة المالكية، بل استفادت منه جميع المذاهب، مما جعله أحد أبرز الكتب الجامعة التي ساهمت في بناء الفقه الإسلامي المشترك، ودليلًا على أن أصول الفقه واحدة، وإن اختلفت الفروع والاجتهادات.
وأضاف أن وجود كبار العلماء من مذاهب مختلفة ضمن رواة الموطأ، مثل الشافعي والحنفي، يؤكد أن تراث الأمة قائم على التكامل لا التنازع، وأن الموطأ كان مرجعًا موثوقًا يقرب لا يفرق.

الموطأ كتاب لا يموت
واختتم الدكتور علي جمعة حديثه بالتأكيد على أن موطأ الإمام مالك هو كتاب حيّ لا يموت، ويمثل نموذجًا فريدًا لتفاعل العالم مع نصه العلمي، مضيفًا أن هذه التجربة يجب أن تُستلهم اليوم في التعامل مع التراث، من خلال إعمال العقل مع احترام الأصول، ومواصلة التجديد دون المساس بالثوابت.