علي جمعة يحذر: الفقه بدون ضوابط يهدد استقرار الدين ويزرع الحيرة|فيديو

أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بـ الأزهر الشريف ومفتي مصر الأسبق، أن الفقه الإسلامي لا يمكن أن يسير على نحو صحيح دون وجود ضوابط علمية راسخة تنظم عملية الاختيار بين الآراء المختلفة داخل المذاهب.
وفي لقاءه عبر بودكاست "مع نور الدين" على قناة الناس، أوضح أن تلك الضوابط الفقهية تشبه تمامًا "فرامل السيارة"، قائلاً: "كما أن السيارة إذا سارت بلا فرامل تصبح خطرة، فإن الفقه إذا لم تحكمه ضوابط يصبح مهددًا بالفوضى ويُضلّ الناس بدلًا من أن يرشدهم".
الفقه مثل السيارة الحديثة
شبه الدكتور علي جمعة الفقه بمنظومة إلكترونية دقيقة، قائلاً: "في السيارات الفاخرة الحديثة، توجد أنظمة ذكية توقف السيارة تلقائيًا لحماية الأرواح إذا استشعرت خطرًا، وهذا بالضبط ما تفعله ضوابط الفقه؛ فهي لا تمنع التنوع، ولكن تمنع الانفلات".
وشدد على أن غياب تلك الضوابط يقود إلى نتائج كارثية على المستوى الديني والاجتماعي، موجهًا رسالة واضحة للعلماء والدعاة بعدم الاستخفاف بها أو التعامل معها على أنها مسألة شكلية.
إصدار علمي من دار الإفتاء
كشف مفتي مصر الأسبق أن دار الإفتاء المصرية قد أصدرت مؤخرًا كتابًا علميًا موسعًا تحت عنوان "ضوابط الاختيار الفقهي"، وذلك بعد ست سنوات من البحث والدراسة المتعمقة، مؤكدًا أنه عمل جليل يساهم في ضبط عملية الترجيح بين الأقوال الفقهية.
وأضاف: "عندما أُواجه 20 قولًا فقهيًا في مسألة واحدة، دون وجود أدوات للترجيح، أجد نفسي مكلفًا بما لا أطيق، وتضيع البوصلة".
حين يتحول الفقه إلى سبب للاضطراب
روى الدكتور جمعة موقفًا إنسانيًا مؤثرًا وقع أثناء موسم الحج، حيث شاهد بنفسه نساء صالحات يبكين بعد أن أصابهن الارتباك بسبب كثرة الآراء والفتاوى التي تلقينها.
قال: "كل واحدة منهن كانت تحاول الاقتراب من الله في الحج، لكنها وجدت نفسها غارقة في بحر من الفتاوى المتضاربة، ومن هنا جاءت الدموع، والشعور بأن حجهن قد فسد"، مشيرًا إلى أن بعض من يفتون عمدوا إلى استعراض فتاوى من 6 إلى 18 رأيًا في نفس المسألة، وهو ما أدى إلى انهيار نفسي بين الحجيجات.
لا مكان للفقه الشعبي والعشوائي
وجه الشيخ علي جمعة نقدًا صريحًا إلى من يروجون لما سماه بـ "الفقه الشعبي"، أي محاولة إرضاء العامة دون منهج علمي منضبط، لافتًا إلى أن البعض يستغلون أسماء كبار الأئمة كـ مالك والأوزاعي لترويج أقوال مغلوطة ومنسوبة زورًا.
وأكد: "ليس كل من قرأ كتابًا أو حفظ مسألة صار فقيهًا. هنالك من يخدعون الناس بأقوال لا سند لها، فيضللون العامة ويزيدونهم حيرة".

فقه مضبوط = دين آمن ومستقر
اختتم علي جمعة حديثه برسالة قوية دعا فيها إلى تقديم الفقه بطريقة واضحة وبسيطة ومُنضبطة تراعي واقع الناس، وتبتعد عن استعراض الخلافات الفقهية التي لا يقدر عليها كثير من المسلمين.
وقال: "نحتاج إلى فقه يرشد الناس، لا يُرعبهم أو يزرع فيهم الحيرة. المطلوب هو اختيار القول الراجح من خلال ضوابط علمية دقيقة، حتى نضمن فقهًا مستقرًا ودينًا متماسكًا".