علي جمعة: اتبعوا جمهور الأمة لا الشواذ.. والدين لا يُبنى على المغالاة

وجّه الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، رسالة واضحة إلى المسلمين دعاهم فيها إلى اتباع جمهور الأمة وعدم الانسياق وراء الآراء الشاذة، مؤكدًا أن الاجتماع على الرأي الراجح أولى من التفرّد برأي غريب.
وقال الدكتور علي جمعة، خلال ظهوره في بودكاست "مع نور الدين" على قناة الناس: "ما تتبعوش الشواذ، اتبعوا جمهور الأمة، وربنا أشار إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾، وهذه الآية فيها دلالة قوية على أهمية الجماعة".
رؤية الهلال والاجتهاد الجماعي
في معرض حديثه عن رؤية هلال ذي الحجة، أشار الدكتور علي جمعة إلى أنه حتى في حال حدوث خطأ في تحديد يوم عرفة بسبب الخطأ في رؤية الهلال، فإن الحج يظل صحيحًا، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب الناس على ما لا يعلمونه، بل على ما اجتهدوا فيه ضمن حدود التكليف.
وأوضح: "الناس قد يخطئون في رؤية الهلال، لكن ذلك لا يبطل الحج؛ لأننا لا نتعامل مع غيبيات خالصة، بل بما أمرنا الله به من التزام بالجماعة والمشورة".
حديث النبي يحسم الخلاف
استشهد مفتي الديار المصرية الأسبق بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس"، لتأكيد أن العبادة الجماعية لا تُفسدها الفروقات الدقيقة في الحساب أو التوقيت، وقال:
وتابع: "كثيرون يسألون: هل نصوم مع السعودية أو مع مصر؟ والإجابة: صم حيث صام الناس، وافطر حيث أفطروا. هذا هو التكليف الذي أنت مطالب به".
ووصل: "أنت غير مكلف بالوصول إلى الحقيقة الغيبية، بل مكلف باتباع ما هو ظاهر لك ومشاع بين الناس ضمن السياق الشرعي".
معرفة الحقائق الغيبية ليست شرطًا
شدّد الدكتور علي جمعة على أن التمسك بتفاصيل لا تؤثر في جوهر العبادة يُعتبر من الانحراف عن الفهم الصحيح للدين، موضحًا أن هناك أسرارًا إلهية لم يطلعنا الله عليها لأنها لا تؤثر في عباداتنا، مثل عدد أصحاب الكهف، أو الطبيعة الكيميائية للماء.
قال: "الماء مكوّن من هيدروجين وأكسجين، لكن ذلك لا يعني أنه نار، رغم أن مكوناته قابلة للاشتعال، فهل يعني هذا أننا لا نتوضأ به؟ بالطبع لا، هذا تفكير غير منطقي".
التحذير من الفقه غير المنضبط
أدان الدكتور جمعة بعض الأصوات التي تروج لأفكار متشددة أو غير منضبطة تحت مسمى "الفقه الدليلي" أو "العلم الشرعي"، موضحًا أن الدين لا يُبنى على الاجتهادات الفردية ولا على المعلومات المجتزأة من العلوم الحديثة دون إدراك عميق.
وأضاف: "الدين لا يحتاج إلى معلومات علمية دقيقة ليكون صحيحًا، ولو كان كذلك لما عرف المسلمون دينهم عبر القرون، ولكن هذا الخلط بين العلم والدين يُربك العقول، ويشتت الفهم الصحيح".

الاعتدال في الفهم.. والالتزام بالجماعة
اختتم مفتي مصر الأسبق حديثه بالتأكيد على أن الوسطية والالتزام بجماعة المسلمين هما صمام الأمان للدين والمجتمع، وأن الفتن تكثر عند تتبع الأقوال الشاذة أو الاجتهادات الفردية الخارجة عن المألوف، داعيًا الجميع إلى التيسير لا التعسير، وإلى فهم الدين بروح الجماعة لا بعقلية التفرد والتميّز المغلوط.