عاجل

خبير اقتصادي في الاحتياطي الفيدرالي متهم بالتجسس لصالح بكين

التجسس لصالح بكين
التجسس لصالح بكين

بدأت القصة عندما قام جون روجرز بزيارة شنغهاي في مايو2013، لحضور منتدى أعمال بصفته خبيرًا اقتصاديًا في الاحتياطي الفيدرالي، بعدما تلقى رسالة بريد إلكتروني من عميل استخبارات صيني مزعوم، وفقا لتقرير نشرته صحية “ وول ستريت جورنال”.

ووصف العميل استخباراتى صيني نفسه بأنه طالب دراسات عليا صيني مهتم بمعرفة المزيد عن الاحتياطي الفيدرالي. ويقول روجرز إنه رفض عرض الرجل بدفع المال له. لكنها تطورت لاحقًا بعد دعوة ثانية إلى الصين، مع تغطية كاملة لنفقات السفر، وهو ما قبله روجرز، بحسب ما ورد في لائحة الاتهام التي كُشفت في يناير الماضي.

بناءً على تحقيقات الادعاء العام الأمريكي، التقى روجرز بعد ذلك بما وُصف بأنهم "مسؤولون صينيون متنكرون كطلاب" داخل غرف فنادق، حيث يُزعم أنه سلّمهم تقارير داخلية من الاحتياطي الفيدرالي، من ضمنها وثائق مُعدة لاجتماعات لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التي تُحدد السياسات النقدية وأسعار الفائدة.

اعتقال ومصادرة مبالغ مالية

في يناير، أوقف مكتب التحقيقات الفيدرالي روجرز، حيث عثر عملاؤه على مبلغ 50 ألف دولار نقدًا في شقته بمنطقة واشنطن. وأكدتى زوجته وهي من شنغهاي وتزوّجها في 2018، أن الأموال تعود لها.

لكن روجرز أنكر التهم التي تشمل التآمر لارتكاب تجسس اقتصادي، مشددًا على أنه لم يقدم معلومات لبكين عن علم، وأنه لم يكن مطلعًا على قرارات الاحتياطي الفيدرالي العليا بالشكل الذي يُضفي قيمة استخباراتية كبيرة لمعلوماته.

منقوصة ومُضللة

ووصف محامي روجرز لائحة الاتهام بأنها "منقوصة ومُضللة"، مؤكدًا أن موكله لا يتحدث الصينية، وهو ما يضعف فرضية التعاون الوثيق مع جهات صينية رسمية. وأضاف أن الفريق القانوني سيُثبت براءة روجرز في المحكمة، معتبرًا أن الرواية التي قدمتها السلطات "مُبسطة ومنحازة".

البنك المركز يطمئن..والصين تنفي

وأشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى البروتوكولات الأمنية الصارمة التي يتبعها البنك المركزي، في محاولة لطمأنة الجمهور وسط هذه القضية الحساسة. في المقابل، نفت وزارة الخارجية الصينية علمها بالقضية، فيما لم تُعلّق وزارة أمن الدولة، وهي الجهاز الاستخباراتي المدني في البلاد.

لكن المسؤولين الغربيين يرون في قضية روجرز دليلاً جديدًا على التصعيد المستمر من جانب بكين في نشاطات التجسس، لا سيما خلال حكم شي جين بينغ. وبحسب ما أفاد مسؤولون أمريكيون، فإن الصين تستمر في تجنيد مصادر بشرية – إلى جانب قدراتها في الهجمات السيبرانية – للحصول على معلومات حتى من موظفين لا يمتلكون بالضرورة صلاحيات عليا.

مذكرات شخصية تزيد من الشكوك

وكشفت التحقيقات كشت أيضًا عن رسالة كتبها روجرز على جهازه اللوحي في ديسمبر 2018، وُجّهت إلى "الشعب الصيني العزيز"، عبّر فيها عن إعجابه بالصين قائلًا: "أحبكم بلا قيد أو شرط، شنغهاي". هذه العبارات اعتبرها المدعون مؤشرًا على تحول في ولاءاته أو على الأقل انفتاحًا مقلقًا على النفوذ الصيني.

وعند سؤال وزارة الخارجية الصينية عن قضية روجرز، قالت إنها ليست على علم بالأمر. ولم ترد وزارة أمن الدولة، وهي وكالة الاستخبارات المدنية الرئيسية في الصين، على الاستفسارات.

مسيرة روجرز العلمية

حصل روجرز على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة فرجينيا، وانضم إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي كخبير اقتصادي في عام 1994. وعمل لاحقًا كمستشار أول في أبحاث أسعار الصرف وسياسة أسعار الفائدة.

أعرب روجرز، على وسائل التواصل الاجتماعي، عن إعجابه بفرق موسيقية مثل R.E.M. وThe Cure. كان روجرز، بقوامه النحيل الذي يزيد طوله عن 6 أقدام، يُقدّم أحيانًا دروس يوجا لزملائه في الاحتياطي الفيدرالي.

بحلول عام 2019، أحضر روجرز زوجته وابنته الجديدتين للعيش معه في واشنطن، وفقًا لمنشور على موقع "سكاي لوف". ولزوجته ابنة أخرى في الصين، وظلت تقضي "وقتًا طويلًا" هناك، وفقًا للمدعين العامين.

في عام 2020، أثار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي تساؤلات حول علاقات روجرز بالصين في مقابلة مع مكتب المفتش العام، الوكالة الرقابية التابعة للاحتياطي الفيدرالي.

وقال روجرز، وفقًا لتقرير قدمه المدعون العامون إلى المحكمة: "الصينيون يراقبون كل ما تفعله الولايات المتحدة.. لا أقصد ذلك من باب التجسس، فأنا متأكد من أنهم يمارسون التجسس، لكنني لا أواجههم بذلك. إنهم يريدون فقط معرفة ما يفكر فيه الاحتياطي الفيدرالي".

وأضاف روجرز: "عُرض عليّ المال، وأعطوني رزمًا من أوراق نقدية من فئة المائة دولار.. لكنه نفى مشاركة معلومات سرية عن الاحتياطي الفيدرالي. واتهم المدعون روجرز لاحقًا بالإدلاء بتصريح كاذب خلال هذه المقابلة.

قال محامو روجرز إنه فقد إمكانية الوصول إلى معظم وثائق الاحتياطي الفيدرالي في مايو 2020، أي بعد حوالي ثلاثة أشهر من المقابلة. وأُجبر على ترك منصبه في مايو 2021، وفقًا لملف حكومي. 

ورفض متحدث باسم الاحتياطي الفيدرالي التعليق على القضية، مستشهدًا بقواعد الخصوصية.

قبل حوالي شهرين من مغادرته الاحتياطي الفيدرالي، وقّع روجرز عقدًا للتدريس في جامعة فودان، وفقًا للمدعين العامين الحكوميين. 

ويتضمن عقده راتبًا يبلغ حوالي 150 ألف دولار أمريكي لفصل دراسي واحد سنويًا، وفقًا لمحاميه. وأضافوا أنه حصل أيضًا على منحة بحثية بقيمة 300 ألف دولار أمريكي، تُصرف على مدى ثلاث سنوات، من مؤسسة بحثية حكومية. 

وتسلط هذه القضية الضوء على معركة خفية تدور خلف الكواليس بين الولايات المتحدة والصين، لا تُخاض فقط في ميدان الاقتصاد أو السياسات، بل تمتد إلى داخل المؤسسات المفصلية للدولة، حيث تحاول بكين، وفق الاتهامات الأميركية، اختراق الجدران الأمنية للنفاذ إلى قلب القرار المالي الأمريكي.

 

تم نسخ الرابط