ضغوط سعودية ووعود من الشرع.. لماذا رفع ترامب العقوبات عن سوريا؟ |تقرير

كان من الممكن أن تستمر العقوبات على سوريا لعام أو أكثر بسبب عدة عوامل، منها الغموض الذي يكتنف مستقبل المشهد السياسي في البلاد، والتشكك في القيادة الجديدة، بالإضافة إلى مخاوف دولية أبرزها إسرائيل.
لم ترفع الولايات المتحدة العقوبات إلا بعد إجراء تقييم دقيق ومطول، كما يظهر من تجربتها السابقة مع طالبان التي وقعت معها اتفاقًا، بينما لا تزال أفغانستان تخضع لعقوبات اقتصادية منذ أربع سنوات. علاوة على ذلك، يسود انقسام واضح داخل الإدارة الأمريكية نفسها بشأن قرار رفع هذه العقوبات، مما يعقد الملف أكثر.

ولهذا السبب، وُجّه النداء المباشر إلى الرئيس دونالد ترامب، من خلال حليف موثوق ، المملكة العربية السعودية ، كأقصر طريق، لكن الأمر لا يزال يتطلب جهودًا تكميلية من حكومة الشرع، التي يجب عليها أولًا تقديم المزيد من الضمانات بشأن احتواء الفصائل المحلية، وحماية الأقليات، وبذل المزيد من الجهود لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة التي قد تهدد سلطة أحمد الشرع إذا تُركت دون رادع.
ونقل مسؤول إسرائيلي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من ترامب خلال لقائهما في أبريل عدم رفع العقوبات، محذرا من تكرار سيناريو هجوم 7 أكتوبر 2023.
وردّ ترامب لاحقا بالقول: "لم أطلب رأي إسرائيل.. شعرت أن هذا هو القرار الصائب".
اقرأ أيضاً: ولي العهد السعودي يتفاعل بسعادة مع رفع العقوبات عن سوريا
اتصالات أمريكية سورية قبل رفع العقوبات
سبق لقاء ترامب بالشرع سلسلة من الاجتماعات بين مسؤولين أمريكيين ونظرائهم السوريين منذ مارس الماضي، في باريس وواشنطن ونيويورك.
وشارك في هذه اللقاءات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير المالية، حيث ناقشوا مع الجانب الأمريكي خارطة طريق تتضمن التعاون في مكافحة الإرهاب والتخلص من الأسلحة الكيميائية.
وسعت شخصيات من الحكومة السورية الجديدة للتواصل مع أطراف خارج الحكومة الأمريكية، ضمن ما وُصف بـ"الهجوم الدبلوماسي الناعم" لتغيير صورة النظام.
في المقابل، أبدى بعض مسؤولي الإدارة الأمريكي تحفظا، وعلى رأسهم مستشار البيت الأبيض لمكافحة الإرهاب سيباستيان غوركا، والمبعوث السابق إلى سوريا جويل رايبورن.
وعبّر غوركا عن شكوكه قائلا: "نادرا ما يتغير الجهاديون بعد انتصارهم". وفي مقابلة مع موقع "بوليتيكو"، وصف غوركا لقاء ترامب مع الشرع بأنه "عبقري"، لكنه شدد على أهمية إشراك الأقليات في الحكم ومكافحة تنظيم داعش.

شروط ترامب لرفع العقوبات
وأن هناك شروط وضعتها الحكومة الأمريكية، ذكر ترامب خمسة منها بعد لقائه بالشرع.
أولًا، إخراج المقاتلين الأجانب.
ثانيًا، المساعدة في محاربة الجماعات الإرهابية في سوريا.
ثالثًا، إبعاد الفصائل الفلسطينية.
رابعًا، إدارة مراكز احتجاز مقاتلي داعش.
وخامسًا، إقامة علاقة مع إسرائيل.
ولكن قبل مناقشة جدوى هذه الشروط لحكومة الشرع، من المهم مناقشة لماذا تستحق الحكومة السورية الجديدة "فرصة"، كما قال ترامب.
لماذا تستحق الحكومة السورية الجديدة "فرصة"؟
أولًا، الشرع وحكومته أصبحا الآن واقعًا يجب على الجميع التعامل معه - تمامًا كما هو الحال مع حكومات أخرى في المنطقة تضم ميليشيات أو تتعاون معها؛ والحقيقة هي أن تغيير الحكومة غير وارد، والحرب مرفوضة، والشعب السوري يستحق الخروج من هذا النفق المظلم.
ثانيًا، يُعدّ إبعاد النفوذ الإيراني عن سوريا نتيجةً بالغة الأهمية غيّرت مجرى تاريخ المنطقة ومستقبلها ، ليس فقط لسوريا، بل للبنان وفلسطين أيضًا. لولا توسّع إيران في دمشق وعواقبه المدمرة، لما تغيّر الوضع الراهن السابق.
كما أن إضعاف الحكومة الجديدة قد يُعيد إيران إلى الواجهة؛ إما من خلال الفوضى اللاحقة أو بسبب ضعف دمشق.
ثالثًا، إعادة فرض العقوبات أسهل من رفعها، إذا تبيّن أن دمشق لم تفِ بالتزاماتها. في المقابل، قد يُؤجّج عدم رفعها الآن التمرد والفوضى، أو يدفع دمشق نحو تحالفات أخرى من شأنها أن تزيد التوترات الإقليمية.
رابعًا، أصبحت إسرائيل الآن القوة المهيمنة التي تُحدّد مسار المنطقة. لا يُمكن مقارنة دمشق بكابول، أو حكومة الشرع بحركة طالبان، التي تفتقر إلى قوى مجاورة تُسيطر عليها. دمشق في مرمى القوات الإسرائيلية، التي تتمتع الآن بنفوذ واسع النطاق، وقد رسمت خطوطًا حمراء لجيرانها فيما يتعلق بأنواع الأسلحة والمسافات والمواقع.
وفي الواقع، أصبحت إسرائيل الضامن لمصالحها الاستراتيجية. ويُعتبر لبنان اليوم مثالاً يُحتذى به في ظلّ الهندسة الأمنية الإسرائيلية.
اقرأ أيضاً: الشرع: قرار رفع العقوبات تاريخي بدعم عربي.. وسوريا لن تكون إلا أرضًا للسلام
منح دمشق فرصة لإنعاش هذا البلد المدمر
بين تقبّل الواقع، ومخاوف الفوضى، واحتمال عودة إيران، يبقى الخيار الأسلم للمجتمعين الدولي والإقليمي هو منح دمشق ما تحتاجه لإنعاش هذا البلد المُدمّر، وللجميع الحق في وضع شروط تضمن استقرار سوريا وأمن المنطقة.
وتقع سوريا في قلب منطقة الأزمة، وإذا تُركت وشأنها، فسوف تنحدر إلى الفوضى بعواقب وخيمة. ويبقى الخيار الأقل مخاطرةً هو منحها فرصة، حتى لو انطوى ذلك على بعض "المخاطرة"، وهو خيار يُمكن إدارته في أسوأ السيناريوهات.

المطالب الأمريكية
قد تبدو المطالب الأمريكية غريبة في العلن، لكنها في النهاية تصب في مصلحة دمشق. وحظر المقاتلين الأجانب مطلبٌ لجميع الحكومات، ومكافحة الإرهاب التزامٌ دولي. أما الفصائل الفلسطينية في سوريا، فهي في الحقيقة ميليشيات تابعة لنظام الأسد السابق، استخدمها في لبنان ضد دول عربية، أما الاستثناء الوحيد هو حماس، وهي حركة غير سورية.
من المتوقع أن يطرد الشرع جميع هذه الجماعات طوعًا، كما فعل الأردن سابقًا، وكما يحاول لبنان حاليًا التعامل مع بقاياها.
أيضاً: ترامب يدعو الشرع للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم
ماذا عن شرط الدخول في اتفاق مع إسرائيل؟
تجدر الإشارة إلى أن الشرع ووزراءه سبق أن تحدثوا، حتى قبل ترامب - عن استعدادهم لذلك في إطار مبادرة سلام عربية. وبغض النظر عن المخاوف المتبقية، والتي لن أتناولها هنا، فإن المنطقة قادرة على التكيف والتغير، وهذا يبقى أفضل من ترك البلاد فريسة للفوضى، وهو أمرٌ أشد خطرًا على الجميع.
نتوقع من حكومة دمشق أن تتفهم هذا الأمر، وأن تنأى بنفسها عن التجاذبات الإقليمية والدولية. وللإنصاف فإن الرئيس الشرع ألمح مراراً وتكراراً في تصريحاته إلى انفتاحه على الجميع ورغبته في التركيز على التنمية والتقدم.