هل كل امرأة تملك المال تستطيع الحج؟ الإفتاء توضح الشروط

مع اقتراب موسم الحج، تتزايد تساؤلات النساء حول شروط الاستطاعة الشرعية التي تُلزم المرأة بأداء الفريضة. وفي هذا السياق، أوضحت دار الإفتاء المصرية، الأحكام المتعلقة باستطاعة المرأة للحج، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية راعت خصوصية المرأة ووفرت لها من الأحكام ما يحفظ كرامتها وسلامتها
وأوضحت دار الإفتاء أن
الاستطاعة شرطٌ لوجوب الحج، فلا يجب الحَجُّ على غير المستطيع، وشروط الاستطاعة في حق المرأة المكلفة بأداء فريضة الحج تتلخص في كونها مالكةً لنفقات الحج، ذهابًا، وإقامةً، وإيابًا، وفائضةً عن حاجتها الأصلية ومَن تعول إن تعيَّن عليها ذلك، وأن تكون صحيحة البدن قادرةً على أداء المناسك، تأمن على نفسها ودينها، وألا تكون معتدة، إلا إذا قامت بدفع رسوم الحج وتكاليفه ولا يمكنها استردادها فيجوز لها الخروج للحج حينئذ، مع مراعاة الالتزام بالشروط والتعليمات الصادرة من قِبل الجهات المختصة بتنظيم السفر لأداء الحج.
الحج فريضة على المستطيع
فرض الله الحج على المستطيع من عباده، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران: 97]، أي: أن الحجَّ واجبٌ شرعًا على مَن يستطيع أداءه من الناس، والاستطاعة في الحج معناها القدرة عليه، واتفقت المذاهب الأربعة على أنَّها شرطٌ لوجوب الحج، فلا يجب الحَجُّ على غير المستطيع.
شروط استطاعة الحج التي يشترك فيها الرجال النساء
للاستطاعة التي يجب بها الحج على المكلف شروط يشترك فيها الرجال والنساء، وأخرى تختص بها النساء دون الرجال.
أما ما يشترك فيه النساء مع الرجال، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط لها صحة البدنِ والقدرة على أداء المناسك، ووجود النفقة اللازمة للحج ذهابًا وإيابًا، وأن تكون فائضة عن ما لا بد منه، من نحو: مسكنه، وخادمه، وأثاث بيته، وكل ما يلزم البيت من أمتعة وغيرها، وعن نفقة عياله، ودَيْنِه، كما يشترط أمن الطريق؛ لأن الاستطاعة لا تثبت بدونه، وأن تجتمعَ هذه الشروط وقد بقي من الوقت ما يتمكَّنُ فيه من الوصولِ إلى الحج، وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء.
قال العلامة مجد الدين الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" : [ولا يجب إلا مرة واحدة على كل مسلم حر عاقل بالغ صحيح قادر على الزاد والراحلة، ونفقة ذهابه وإيابه فاضلا عن حوائجه الأصلية ونفقة عياله إلى حين يعود ويكون الطريق أمنًا] اهـ.
وقال العلامة أبو بكر الزَّبيدي الحنفي في "الجوهرة النيرة على مختصر القدروي" في بيان معنى كون النفقة فاضلة: [(قوله فاضلًا) انتصب على الحال من الزاد والراحلة (قوله عن مسكنه وما لا بد منه) كالخادم والأثاث وثيابه وفرسه وسلاحه وقضاء ديونه] اهـ.
وذهب المالكية إلى أن شروط الاستطاعة هي: القدرة على الوصول إلى مكة من غير حصول مشقة، مع الأمن على النفس والمال، والقدرة على إقامة الفرائض، والظاهر في المذهب القدرة على الرجوع أيضًا.
قال الإمام الحطَّاب في "مواهب الجليل": [بَيَّنَ العلماء أن الاستطاعة هي الوصول إلى البيت من غير مشقة، مع الأمن على النفس، والمال، وَالتَّمَكُّنِ من إقامة الفرائض] اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله المواق في "التاج والإكليل" : [نقل ابن الْمُعَلَّى عن بعض المتأخرين اعتبار الذهاب، والرجوع، وهو الظاهر] اهـ.
شروط استطاعة الحج التي تختص بها النساء
أمَّا عن الشروط التي تختص بها النساء دون الرجال، فشرطان:
الشرط الأول: أن يخرج معها زوجها أو محرم لها، وللفقهاء تفصيل في هذا الشرط، من نحو قصره على المحرم أو الزوج بحيث إذا انعدما لم يجب عليها الحج، كما في "بداية المبتدي" لبرهان الدين المرغيناني الحنفي، و"المغني" لموفق الدين ابن قدامة الحنبلي ، أو اعتبار مبناه الأمن بحيث إذا تحقق بوجود محرم أو زوج أو رفقة وجب عليها الحج، كما في "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" للعلَّامة محمد بن عرفة الدسوقي المالكي ، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي.
والذي عليه الفتوى: أنَّ سفر المرأة وحْدَها عبر وسائل السفر المأمونة، وطُرُقِه المأهولة، ومَنافذه العامرة، مِن موانئ ومطاراتٍ ووسائل مواصلاتٍ عامَّة- جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، سواء أكان سفرًا واجبًا أم مندوبًا أم مباحًا.
ويدل على ذلك: حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهٌ» أخرجه البخاري، وفي رواية الإمام أحمد: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ» والمراد بالظعينة أي: المسافرة.
وأمَّا الأحاديث التي تَنهى المرأةَ عن السفر مِن غير مَحرَمٍ- فإنها محمولةٌ على حالة انعدام الأمن، فإذا تَوَفَّرَ الأمنُ لَم يَشملها النهيُ عن السفر أصلًا.
الشرط الثاني: ألا تكون معتدة من طلاق أو وفاة؛ لأنها مُطالبة بالمكوث في البيت حتى انتهاء عدتها، ولأن الامتناع من الخروج مؤقت بالعدة يفوت بِمُضِيِّهَا، والخروج للحج لا يَفُوتُهَا؛ فتقدم ما يفوت على ما لا يفوت.
قال الإمام السرخسي في "المبسوط" : [ولا ينبغي للمطلقة ثلاثًا، أو واحدة بائنة، أو رجعية أن تخرج من منزلها، ليلًا ولا نهارًا حتى تنقضي عدتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: 1].. وعلى هذا لا تخرج لسفر الحج، ولا لغيره؛ لأن الامتناع من الخروج موقت بالعدة يفوت بِمُضِيِّهَا، والخروج للحج لا يَفُوتُهَا؛ فتقدم ما يفوت على ما لا يفوت] اهـ.
وقال العلامة أبو الحسن علي بن خلف المالكي في "كفاية الطالب الرباني": [(ولا تخرج) المعتدة (من بيتها) خروج نقلة لغير ضرورة سواء كانت معتدة (في طلاق، أو وفاة حتى تتم العدة)، وقيدنا بخروج نقلة احترازًا من خروجها في تصرف حوائجها، فإنه جائز لكن لا تبيت إلا في بيتها... وظاهر كلامه أنها لا تخرج، ولو لحجة الإسلام، وهو كذلك] اهـ.
ويستثنى من ذلك ما إذا كانت المعتدة قد تلبست بالإحرام بالحج بالفعل وتعذر عليها الرجوع أو خشيت عدم القدرة على الخروج للحج مرة أخرى فيجوز لها حينئذ المضي في الحج وأدائه؛ لِتَقَدُّمِ الإحرام، ولأنه "يغتفر في الانتهاء ما لا يغتفر في الابتداء".
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" : [لو أحرمت بحج، أو قران بإذن زوجها، أو بغير إذنه، ثم طلقها، أو مات، فإن خافت الفوات كضيق الوقت، وجب عليها الخروج معتدة؛ لِتَقَدُّمِ الإحرام] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة في "الشرح الكبير": [ولو كان عليها حجة الإسلام فمات زوجها: لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج؛ لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به بعدها، وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض أو بحج أَذِنَ لها فيه وكان وقت الحج متسعًا لا يخاف فوته ولا فوت الرفقة: لزمها الاعتداد في منزلها؛ لإمكان الجمع بين الحقَّيْن، وإن خشيت فوات الحج: لزمها المضي فيه] اهـ.
وما ذكرناه من جواز خروج المعتدة التي تلبست بالإحرام بالحج بالفعل وتعذر عليها الرجوع أو خشيت عدم القدرة على الخروج للحج مرة أخرى يخرَّجُ عليه جواز خروج المعتدة للحج إذا كانت قد سدَّدت رسوم الحجّ ونفقاته ومصروفاته، ولم يَعُدْ بإمكانها استردادُها؛ لأنَّ اختيارها والإذن لها بالسفر، ودفعها لنفقات الحج الباهظة التي لا تُسْتَرَدُّ يعد بمثابة دخولها في السفر ومُضِيِّها فيه، وذلك مراعاة لمقصد حفظ المال الذي هو أحد المقاصد الكلية الخمسة التي جاءت الشرائع بحفظها، إذ عدم خروجها حينئذ يفوت عليها ما دفعته من أموال قد لا يمكنها جمعها مرة أخرى، أو يتعذر عليها الحصول على تأشيرة الحج فيما بعد نظرًا لزيادة الأعداد فيفوت عليها الحج، ويضاف إلى ذلك ما قد تقع فيه المرأة من حالة نفسية سيئة لفقدها إمكانية السفر لأداء الشعيرة التي تتعلق بها القلوب دومًا وتتوق إليها النفس كل وقت وحين، وقد تقرر في قواعد الفقه أنَّ "المَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ"، وأنَّه "إِذَا ضَاقَ الأَمْرُ اتَّسَعَ"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي