عاجل

اعتمر عن نفسه وحج عن غيره فهل يجوز؟.. دار الإفتاء توضح الحكم

الحج
الحج

في ظل تزايد الإقبال على أداء مناسك العمرة والحج، خاصة مع تسهيل الإجراءات وسرعة التنقل، يتساءل كثيرون عن صحة أداء العمرة عن النفس والحج عن الغير، وهل يجوز الجمع بين النيتين؟

صحة أداء العمرة عن النفس والحج عن الغير

إذا اعتمر الحاج في أشهر الحج عن نفسه وتَحَلَّل من عمرته، ثم أحرم بالحج من مكة عن ميتٍ، ولم يكن الحاجُّ من أهل مكة: فإنه يكون مُتَمتِّعًا، ويجب عليه دم التمتع؛ فإن كان متطوعًا وأَذِن له المستنيبُ في التمتع كان دم التمتع على المستنيب، وأَمَّا إذا لم يُؤذَن له في التمتع فيجب على المتطوع في هذه الحالة دم التمتع وحده، وإن كان مُسْتَأجَرًا فدَم التَّمَتُّع يكون مناصفة بينه وبين الـمُسْتَأجِر، شريطة الإذن من الـمُسْتَأجِر، فإذا لم يُؤذَن له فدم التمتع يكون عليه ولا يتَحَمَّل الـمُسْتَأجِر شيئًا منه

التمتع بالحج والعمرة

التَّمَتُّع عند الفقهاء: أن يعتمر مَنْ ليس من أهل مكة، ويُحِلُّ مِن عمرته في أشهر الحج -وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة- ثُمَّ يحج من عامه ولم يرجع إلى بلده، أو بلد مثل بلده بين الحج والعمرة، فمن حصل له ذلك فهو متمتع. وسُمِّي تَمَتُّعًا؛ لِأَنَّهُ يسْتَمْتع بالمحظورات إِذا تَحَلَّل عَن الْعمرَة إِلَى أَن يحرم بِالْحَجِّ.
ينظر: "البناية شرح الهداية" للإمام بدر الدين العيني ، و"الفواكه الدواني" للإمام النفراوي ، و"حاشية القليوبي على شرح المحلي"، و"المغني" للعلامة ابن قدامة.

التمتع بالعمرة عن نفسه والحج عن الغير
هذا هو القَدْر المشترك بين الفقهاء للوصف الفقهي للفظ "التَّمَتُّع"؛ لكن الفقهاء اختلفوا في تفاصيل ذلك:
فيرى السادة الحنفية، والسادة الشافعية، والسادة الحنابلة على المعتمد: أنَّه لا يشترط وقوع النسكين -أي: العمرة والحج- في السَّفْرة الواحدة عن شخصٍ واحد حتى يوصف الشخص بالمتمتع، بل يصح أن تقع العمرة عن شخصٍ، والحج عن شخصٍ آخر.

يقول شيخ الإسلام الكمال بن الهمام في "فتح القدير": [(وكذلك إن أمره واحد بأن يحج عنه، والآخر بأن يعتمر عنه وأذنا له بالقران) فالدم عليه لما قلنا]. وقال العلامة المرغيناني في "الهداية شرح بداية المبتدي" : [ثم ظاهر المذهب أن الحج يقع عن المحجوج عنه، وبذلك تشهد الأخبار الواردة في هذا الباب؛ كحديث الخثعمية، فإنه عليه الصلاة والسلام قال لها: «حُجِّي عَنْ أَبِيكِ واعتمري»].

وقال العلامة الشمس الرملي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" : [لا يشترط لوجوب الدم نيةُ التمتع ولا وقوع النسكين عن شخص واحد ولا بقاؤه حيًّا].

وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" : [(ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد، فلو اعتمر لنفسه وحج عن غيره أو عكسه) بأن اعتمر عن غيره وحج عن نفسه (أو فعل ذلك عن اثنين) بأن حج عن أحدهما واعتمر عن الآخر (كان عليه دم المتعة) لظاهر الآية وهو على النائب إن لم يأذنا له في ذلك إن لم يرجع إلى الميقات فيحرم منه؛ لأنه سبب مخالفته وإن أذنا فعليهما، وإن أذن أحدهما وحده فعليه النصف والباقي على النائب على ما ذكره في الشرح فيما إذا استنابه اثنان في النسكين فقرن بينهما لهما، أو استنابه واحد في أحد النسكين فقرن له ولنفسه].

أما السادة المالكية فاختَلَف النَّقْل عن المتأخرين منهم في هذه المسألة: فيرى بعضهم كرأي الجمهور السابق ذكره، وفي ذلك يقول الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل"  أثناء حديثه عن شروط دم التمتع: [(وفي شرط كونهما) أي: الحج والعمرة (عن) شخص (واحد) فلو كان الحج عن شخص والعمرة عن آخر فلا دم، وعدمه (تَردُّد) من المتأخرين في النَّقْل عن المتقدمين؛ فنقل الشيخ، والصقلي، واللخمي: عدم اشتراط ذلك].

ويرى البعض منهم أنَّه يشترط لوصف التمتع وقوع الحج والعمرة من شخص واحد، وهذا ما نقله العلامة ابن الحاجب؛ وقد حكاه الشيخ عليش عنه فقال في آخر النقل السابق: [وقال ابن الحاجب: الأشهر اشتراطه].

ما يجب على المتمتع بالحج

أجمع الفقهاء على أنه يجب على المتَمَتِّع دمُ نُسُكٍ إذا لم يكُنْ مِن حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ؛ قال العلامة ابن المنذر في "الإشراف على مذاهب العلماء" : [أجمع أهل العلم على أن من أهلَّ بعمرة في أشهر الحج من الآفاق من الميقات، وقدم مكة ففرغ منها، وأقام بها فحج من عامه أنه متمتع، وعليه الهدي إن وجد، وإلا فالصيام]. 

والهدي الواجب في ذلك: شاة أو بقرة أو بعير أو سُبع البقرة أو البعير عند جمهور الفقهاء، فمَنْ لم يجِدْ فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسبعةً إذا رَجَعَ، ويقوم المتمتع بذبح هدي لجمعه بين نسكين في سفرة واحدة؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: 196].

ولما ورد عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» رواه مسلم.

وعَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عمرَانَ الضُّبَعِيِّ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ. قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وآله وسلم" رواه مسلم

تم نسخ الرابط