شارلي شابلن العرب.. محطات في حياة الفنان شكوكو بذكرى وفاته

يمثل محمود شكوكو الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، قصة فنان استطاع أن ينتقل من ورشة نجارة صغيرة إلى قمة الشهرة بفضل موهبته وروحه المرحة، ليدخل قلوب الناس ويخلّد اسمه في تاريخ الفن المصري.
وظل شكوكو أحد أعمدة الفن الشعبي، الذي ترك بصمة خالدة في ذاكرة العرب سواء بالتمثيل أو بتقديم "المونولوج".
ولشهرته الشديدة وحب الجمهور لبساطته، كان أول فنان يصنع له "تمثال - لعبة" لشخصيته.
وُلد محمود شكوكو – واسمه الحقيقي محمود إبراهيم إسماعيل موسى – في حي الدرب الأحمر بالقاهرة، في 1 مايو عام 1913.
سبب تسميته بـ شكوكو
وقد احتفظ جده، إسماعيل موسى، بمسألة الاسم إذ أدخل كلمة "شكوكو" في شهادة ميلاده، مستوحيةً إياها من ديكٍ كان يُصدر صوتًا مميزًا يُشبه"ش ش كوكو"، فأصبح الاسم رمزًا لشخصيته المرحة والفريدة.
نشأ في بيئة متواضعة حيث كان يساعد والده في ورشة النجارة، وهي المهنة التي ظل يمارسها حتى بلغ سن الثالثة والعشرين، وقد كان يسمع أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وينشدها، مما زرع فيه حب الفن والابتكار.
انطلاقة المسيرة الفنية
لم تدم حياته المهنية في النجارة طويلاً، إذ بدأت موهبته الفنية تظهر عندما انضم إلى فرق التمثيل التابعة للجيش العراقي، التي كانت تقدم عروضها في المقهى المواجه لورشة والده خلال أوقات فراغه.
وتحولت هذه الهواية تدريجيًا إلى شغف حقيقي، فبدأ يغني في حفلات الزفاف وينضم إلى فرق غنائية مثل "حسن المغربي 2" و"محمد 6"، مما أكسبه شهرة واسعة على مستوى الأحياء الشعبية في الأربعينيات والخمسينيات.
كان للظروف دور في تشكيل شخصية شكوكو؛ إذ اعترف بأنه كان يشعر بالخجل لعدم إلمامه بالقراءة والكتابة، فقام بتعليم نفسه بنفسه عن طريق مطالبة المارة بقراءة اللافتات والكتابات على واجهات المحلات، كانت هذه التجارب جزءًا من رحلة تطوره الذاتي، التي ساعدته لاحقًا في التعبير عن نفسه بفصاحة فنية رغم بداياته المتواضعة.
أصبح محمود شكوكو رمزًا للبساطة بفضل شخصيته المرحة وأناقته الشعبية؛ إذ تميز بملابسه الخاصة، الجلباب البلدي والطاقية الطويلة، مما أكسبه لقب "شارلي شابلن العرب".
انتقل شكوكو إلى عالم السينما حيث شارك في أكثر من 200 فيلم؛ بدءًا بفيلمه الأول "بحبح في بغداد" (1942) ثم فيلم "حسن وحسن" لنيازي مصطفى، وصولاً إلى أفلام بارزة مثل "تاكسي حنطور"، "البني آدم"، و"عودة طاقية الإخفاء".
وقد أدى في السينما أدوارًا متنوعة، متقمصًا شخصيات مثل الحلاق والنجار والقهوجي وغيرها، حيث كان لكل دور ملامح محددة تعكس طابعه الشعبي الفريد.
رغم أُميته، امتلك شكوكو موهبة فطرية وذكاءً حادًا ساعداه في تحقيق نجاحات كبيرة، وعندما انتشرت التماثيل التي تُجسد شخصيته في الأسواق، قرر استثمار هذه الشعبية في تقديم فن العرائس والأراجوز بشكل مبتكر واستفاد من خبرته في النجارة ليبتكر مجموعة من التماثيل الخشبية لشخصيته ولشخصيات أخرى.
في عام 1946، أسس فرقة استعراضية باسمه تضمّ عبد العزيز محمود، وتحية كاريوكا، وسميحة توفيق، وقدمت الفرقة عروضها على مسرح حديقة الأزبكية بالقاهرة، وكان شكوكو يصنع العرائس الخشبية بنفسه، ممسكًا بها أثناء أدائه للغناء، ومن بين مسرحيات العرائس التي قدمها كانت "السندباد البلدي" و"الكونت دي مونت شكوكو".
أثبت شكوكو من خلال أكثر من 600 مونولوج، معظمها عفوي وبأسلوبه الخاص الذي جمع بين الدعابة والفكاهة رغم أمية القراءة والكتابة، حتى أن شركة مصر للطيران خصصت إحدى قنواتها الإذاعية على متن رحلاتها لتقديم مونولوجاته، وصُنعت دمى له ترتدي جلبابه وطاقيته المميزة.
كما امتاز بتقديمه للمونولوجات الفكاهية والنقدية التي أحبها الجمهور، ومن أشهرها "جرحوني وقفلو الاجزاخانات"، "حمودة فايت يا بنت الجيران"، "فستان الحلوة – لعل وعسى"، "يا واد يا حدقه" و"يا جارحه قلبي بقزازة"، إضافة إلى العديد من الأعمال الموسيقية التي خلّدت اسمه في ذاكرة محبيه.
على الرغم من تألق محمود شكوكو في مجالات الفن المختلفة، لم ينسَ جذوره؛ فقد واصل مهنة والده في النجارة وطوّرها، فأنشأ ورشة خاصة به يديرها بنفسه، ويصنع منها قطع الأساس والمنتجات الخشبية التي كانت تُعرض في أفخم المحلات.
لم يقتصر إعجاب الجمهور بشخصية شكوكو فقط، بل حظي أيضًا بتقدير الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، الذي ألهمه لحن أغنية "يا دابحة القلب بقزازة".
يروي شكوكو أن عبد الوهاب قال له: "يا محمود، صوتك فيه بحة مميزة وأرغب في تلحين شيء جديد لك"، فانطلق شكوكو ليعرض عليه كلمات كان يحتفظ بها، مما دفع الموسيقار لتلحين تلك الأغنية التي أصبحت فيما بعد من أشهر أغانيه.
أول أجر
في لقاء مع الفنان سمير صبري، كشف شكوكو عن أول أجر تقاضاه في عالم الفن، حيث قال:"أول أجر حصلت عليه كان قرشين صاغ، وكنت أعمل في ورشة النجارة، وكان يصل في اليوم الواحد 25 قرشًا، وهذه البداية المتواضعة لم تمنعه من السعي نحو الأفضل، إذ تمكن من تحقيق نجاحات ميدانية جعلت من اسمه رمزًا يعشقه الجمهور.
على الصعيد الشخصي، عاش شكوكو حياة مليئة بالتقلبات؛ فقد تزوج أربع مرات، وكان زواجه من السيدة عائشة هانم فهمي—الطليقة التي كانت متزوجة سابقًا من يوسف وهبي—سببًا في حملة شديدة ضده من دوائر النخبة ومن يوسف وهبي نفسه، مما اضطرهما في النهاية للانفصال رغم الحب العميق بينهما.
وفي تجليات أخرى من حياته، بعد العدوان الثلاثي قام بجولات في الشوارع والترام لجمع التبرعات لصالح جيش مصر، مُعلنًا أن الوقت قد حان لرد الجميل للوطن.
عاش شكوكو تجارب صعبة، إذ واجه تحديات مالية وصحية أدت إلى تدهور وضع متجره الذي ورثه عن والده، وبعد أن اشتد مرضه واستكمل علاجه على نفقة الدولة سرًا حفاظًا على سمعته أمام من حوله، ورغم ذلك، لم يتوانَ عن التواصل مع الصحف والدعوة إلى زيارته في المستشفى لتخفيف آلامه، وكان يصرح في الجرائد:"أنا ثري وعندي مئات الألوف من الجنيهات ولا أطلب علاجًا على نفقة الدولة؛ كل ما أريده أن يزورني الناس في المستشفى".