عاجل

دراسة: دفء العلاقات الاجتماعية هو سر الصحة وطول العمر

السعادة ليست رفاهية
السعادة ليست رفاهية

بينما ينشغل العالم بتطبيقات الصحة، أنظمة التغذية الصارمة، وبرامج اللياقة البدنية، جاءت أقدم دراسة علمية مستمرة في التاريخ لتقلب الموازين: "السر الحقيقي لحياة أطول وأكثر صحة يكمن في جودة العلاقات الاجتماعية... لا في ما نأكله أو نمارسه من رياضة".

هذه النتيجة المدهشة هي ثمرة أكثر من 80 عامًا من البحث المستمر في "دراسة هارفارد لتطور حياة البالغين"، التي تُعد من أقدم الدراسات البشرية حول تطور حياة الإنسان ، يقود هذه الدراسة الدكتور روبرت والدينجر، الطبيب النفسي وأستاذ الطب في جامعة هارفارد، والذي عرض أبرز خلاصاتها خلال مهرجان "نيويورك تايمز ويلنس" في بروكلين يوم 7 مايو 2025.

ليست عضلاتنا.. بل علاقاتنا هي من تحمينا

يقول والدينجر: "ما أثار دهشتنا هو أن الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات دافئة ومترابطة هم الأكثر احتمالًا للعيش طويلًا، والأقل عرضة للأمراض المزمنة والتدهور العقلي مع التقدم في السن".

يشرح والدينجر كيف تؤثر العلاقات الجيدة على الصحة النفسية والجسدية: "عندما نكون قلقين أو نشعر بالضغط، يزداد التوتر في أجسامنا، يسرع نبض القلب، ويضعف جهاز المناعة. لكن مجرد تواصل بسيط مع شخص نحبه أو نثق به يمكن أن يخفف من كل ذلك".

السعادة ليست رفاهية... بل ضرورة بيولوجية

المفارقة أن أكثر ما نعتبره تفصيلًا هامشيًا في حياتنا – كابتسامة من صديق، أو لحظة صدق مع شريك – يمكن أن يكون له تأثير فعلي على القلب والمخ وحتى متوسط العمر المتوقع. فالعلاقات الاجتماعية ليست مجرد ترف عاطفي، بل صمام أمان حيوي ضد التوتر، والاكتئاب، والأمراض المزمنة.

ويلفت والدينجر إلى أن هذه العلاقات لا تأتي صدفة، بل تتطلب رعاية ومجهودًا مستمرًا، تمامًا كما نفعل مع أجسادنا في صالات الرياضة. "الأشخاص الذين يستثمرون وقتهم وجهدهم في علاقاتهم يعيشون بما يشبه 'قوة خفية' تحميهم دون أن يشعروا"، كما يقول.

في عالم تهيمن عليه الشاشات... ما الذي تبقى من إنسانيتنا؟

تأتي نتائج هذه الدراسة في لحظة فارقة يعيشها الإنسان المعاصر؛ لحظة يزداد فيها الاعتماد على التكنولوجيا في التواصل، ويتراجع فيها التفاعل الإنساني المباشر. فالعزلة الرقمية – حتى وإن لم نلاحظها – بدأت تترك آثارًا عميقة على الصحة النفسية والجسدية، خصوصًا لدى كبار السن والمراهقين.

تشير دراسات موازية إلى أن ضعف الترابط الاجتماعي قد يزيد من خطر الإصابة بالخرف بنسبة تصل إلى 40%، ويرفع معدلات الاكتئاب والجلطات القلبية. في المقابل، فإن العلاقات الإنسانية الجيدة يمكن أن تعمل كدرع منيع ضد هذه المخاطر.

السعادة لا تُقاس بالأرقام

"نحن نقضي عمرنا نركض خلف المال، الجوائز، والشهرة. لكنها أشياء قابلة للقياس. بينما العلاقات الإنسانية لا تُقاس... لكنها تُشعَر"، هكذا اختتم والدينجر كلمته، مؤكدًا أن السعادة الحقيقية تكمن في الترابط مع الآخرين، في أن تجد من يسمعك ويشاركك لحظاتك – الجيدة منها والمؤلمة.

في النهاية، قد لا يكون سر العمر المديد في حمية الكيتو أو الركض لمسافات طويلة، بل في مساء هادئ نتقاسمه مع من نحب.

تم نسخ الرابط