الاستغفار في وقت السحر.. عبادة الخفاء ومفتاح الفرج

عندما يخيّم السكون على الكون، وتغفو العيون في ظلمة الليل، يبقى هناك وقتٌ لا يُقدَّر بثمن، إنه وقت السحر. ذلك الوقت الذي أثنى الله فيه على عباده الصالحين فقال:
“وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الذاريات: 18].
الاستغفار في هذا الوقت ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو تعبير صادق عن الرجوع إلى الله، واعتراف بالعجز والتقصير، وطلب للعفو والمغفرة. إنه عبادة الخفاء التي لا يراها الناس، لكنها تُكتب في صحائف المقربين، وتُرفع إلى السماء في ساعة يُستجاب فيها الدعاء، وتُغفر فيها الذنوب بإذن الله.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟”
(رواه البخاري ومسلم)
الاستغفار وقت السحر هو لحظة صفاءٍ روحي، يجد فيها القلب الطمأنينة، والنفس السلام، والروح قُربًا من الله. هو وقتٌ تتنزل فيه الرحمات، ويُفتح فيه باب الأمل لكل مهموم، ومريض، ومكروب، وطامح إلى التوبة والتغيير.
ومن أعظم ما يُقال في هذا الوقت المبارك:
• “أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.”
• “اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، علانيته وسره.”
• “رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم.”
• “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني.”
• “اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت… فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.” (سيد الاستغفار – رواه البخاري)
وليس الاستغفار مجرد طلب للمغفرة، بل هو أيضًا سبب للرزق، كما قال تعالى في سورة نوح:
“فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفّارًا، يُرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارًا” [نوح: 10-12].
ففي هذا الوقت، تتجدد النية، وتُمحى الخطايا، وتُكتب الأجور، ويُفتح باب التوبة لكل من طرقه. اجعل لك نصيبًا من سحر كل ليلة، ولو بدقائق من الاستغفار بقلب خاشع، فإنها قد تكون اللحظة التي يُغيّر الله بها قدرك، ويفتح لك بها أبواب الفرج والرحمة