عاجل

دون الإخلال بقواعد العزلة

دخان أبيض.. رمز الاتفاق بين الكرادلة الكاثوليك على كرسي القديس بطرس

الدخان الأبيض
الدخان الأبيض

يشكّل الدخان الأبيض أو الأسود لحظة محورية في حياة الكنيسة الكاثوليكية، إذ يمثل الإعلان عن بداية عهد حبري جديد وقيادة روحية عالمية، وهو الوسيلة الرسمية التي تُعلم من خلالها الكنيسة الكاثوليكية العالم بنتيجة التصويت.

وتعود أصول ممارسة استخدام الدخان ضمن طقوس اختيار بابا الفاتيكان إلى القرن الثالث عشر، عندما أنشأ البابا «جريجوري العاشر»، أثناء مجمع ليون، وثيقة «Ubi periculum»، وهي وثيقة أسست قواعد جديدة لاجتماعات الكرادلة في الغرفة المغلقة. من بينها طريقة إعلام المؤمنين خارج الفاتيكان بشكل واضح عن حالة الانتخابات البابوية، دون الإخلال بقواعد العزلة.

وحتى مطلع القرن العشرين، لم يكن الدخان الأبيض الذي يعلن انتخاب البابا الجديد معروفاً. فقط كان الدخان الأسود فحسب هو الذي يتصاعد من مدخنة «الكابيلّا سيستينا» كلما فشل الكرادلة في التوافق على مرشح. وعند الاتفاق كان البابا يخرج ليحي عشرات الآلاف الذين تتنقل أعينهم بين المدخنة والشرفة الباباوية.

لكن في عام 1914 تقرر استخدام الدخان الأبيض للإعلان عن انتخاب البابا الجديد وإطلاق عبارة «Habemus Papam»، أي «لدينا بابا»، بعد أن ينال ما لا يقلّ عن ثلثي الأصوات، وبعد أن يقبل الفائز بعبارات صريحة الجلوس على كرسي القديس بطرس، ويختار اسمه الحبريّ.

كيف يتم توليد لون الدخان؟

كان لون الدخان في البداية ناتجًا عن حرق أوراق الاقتراع مع القش الرطب لإنتاج الدخان الأسود، والقش الجاف لإنتاج الدخان الأبيض، ولكن هذه التقنية لم تكن فعّالة دائماً.

في عام 1958، عندما انتخب مجمع الكرادلة البابا «يوحنا الثالث والعشرين»، خرج دخان رمادي من مدخنة «الكابيلّا سيستينا» وأثار لغطاً في صفوف الذين كانوا يترقبون النتيجة من الخارج، وبعد توضيح السلطات المعنية أن السبب كان عائداً إلى تلبّد السماء بغيوم كثيفة، سرت شائعات عن مؤامرة حيكت خيوطها في الغرف السرية، ومفادها أن الفائز كان الكاردينال «جوزيبي سيري»، لكنه اضطر لعدم القبول أمام الضغوط التي تعرّض لها.

أيضاً، منذ ذلك التاريخ، تقرر أن تُقرع الأجراس مواكبة لتصاعد الدخان الأبيض ومؤكدة انتخاب البابا الجديد. 

وعند انتخاب البابا «يوحنا بولس الأول» في عام 1978، والبابا «بندكت السادس عشر» في عام 2005، كان الدخان رمادياً، مما ولّد ارتباكاً بين المؤمنين الذين كانوا ينتظرون الإعلان.

لهذا السبب، تم تطوير نظام أكثر موثوقية في وقت لاحق، باستخدام مواد كيميائية حديثة لضمان أن يكون لون الدخان دائمًا واضحًا ونهائيًا.

أيضا، حتى عام 2005 كان هناك أيضاً دخان أصفر يُستخدم للتأكد من حُسن سير المدفأة، لكن استعيض عنه بجهاز إلكتروني حديث لا يحتاج إلى التجربة.

ويتكون الدخان الأسود من سلسلة من المكونات الكيميائية، والتي تنتج دخانًا كثيفًا وطويل الأمد. يتضمن الخليط المصنوع بعناية بيركلورات البوتاسيوم للاحتراق، والأنثراسين لتوليد دخان كثيف، والكبريت لتكثيف اللون الأسود للدخان.

تصاعد الدخان الأبيض

عندما تُحرق قسائم الاقتراع في المدفأة القديمة، وينبعث الدخان الأبيض من المدخنة، يكون الكاردينال الذي اختاره المجمع قد قبل التكليف، ويصبح من تلك اللحظة أسقفاً على روما، وبابا على الكنيسة، ورئيساً لمجمع الأساقفة له السلطان الأعلى على كاثوليك العالم.

بعد ذلك يتوجه الحبر الأعظم الجديد إلى «قاعة الدموع» حيث يختار ثوباً أبيض، من بين ثلاثة أثواب جاهزة بمقاسات مختلفة، ويعطَى منديلاً ليكفكف به دمعه عند الصلاة. 

ولدى دخول البابا إلى «الكابيلّا سيستينا» للمرة الأولى بثوبه الأبيض، يجلس على كرسي أسقف روما، ويستمع إلى الكاردينال الذي يرأس المجمع يقول له: «هي العناية الإلهية التي اختارتك لتجلس على كرسي بطرس»، قبل أن يردد ما قاله السيد المسيح لسمعان: «أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي».

يلي ذلك إعلان الكرادلة ولاءهم للحبر «الأعظم» الجديد، وهم يمرّون أمامه رافضاً أن يقبّلوا يده أو يسجدوا. وفي النهاية، يخرج رئيس المراسم إلى الشرفة المطلة على ساحة القديس بطرس ليُعلن اسم البابا الجديد ويقدمه للجماهير المحتشدة.

تم نسخ الرابط