عاجل

من هم “الأخسرين أعمالًا”؟.. تحذير قرآني من ضياع الجهد

سورة الكهف
سورة الكهف

في مشهد قرآني بالغ التأثير، تأتي آيتان من سورة الكهف  لتكشفا عن مأساة روحية خفية قد يعيشها الإنسان دون أن يشعر، فيقول الله تعالى:

“قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” [الكهف: 103-104].

تفسير هذه الآية يكشف عن أخطر أنواع الضلال؛ لأنه ضلال مقترن بالثقة الزائفة، حيث يظن الإنسان أنه يعمل الخير ويتقرب إلى الله، بينما هو غارق في البُعد عن منهج الحق.

أولًا: من هم “الأخسرين أعمالًا”؟

اللفظ جاء بصيغة تفضيل: “الأخسرين”، أي أنهم أكثر الناس خسارة في أعمالهم، لأنهم بذلوا جهدًا وظنوا أنه نافع، لكنه كان في غير طاعة الله.

وقد أجمع المفسرون على أنهم:

  • الكفار والمشركون: الذين عبدوا غير الله، أو خالفوا شرائعه، ومع ذلك كانوا يرون أنفسهم على حق.
  • أهل البدع: من المسلمين الذين ابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله، ظنًّا منهم أنهم يحسنون.
  • الرهبان وأصحاب الطرق الضالة: الذين اجتهدوا في العبادة على غير علم، فجهدهم لا يُقبل لأنه لم يكن على نور الوحي.

تفسيرات العلماء الكبار بتفصيل:

  1. الطبري: قال إنهم أناس اجتهدوا في العبادة، لكنهم ضلوا الطريق لأنهم لم يكونوا على هدى ولا على سنة، مثل الرهبان وأهل البدع.
  2. القرطبي: رأى أنهم الكفار، لكن يشمل أيضًا من ضل من المسلمين ممن ظن أنه على حق، وهم في الحقيقة منحرفون عن السنة.
  3. ابن كثير: أكد أن كل من ظن أنه على صواب في عمل مردود شرعًا فهو داخل في الآية، حتى لو بدا مخلصًا؛ لأن الإخلاص وحده لا يكفي دون متابعة للشرع.
  4. الرازي: أشار إلى أن أخطر ما في الآية هو “وَهُمْ يَحْسَبُونَ”، أي أن المصيبة ليست فقط في الفعل الضال، بل في الجهل به، والاعتقاد الراسخ بأنه صواب، وهذا يمنع صاحبه من التوبة والمراجعة.

ثانيًا: الدلالة النفسية والروحية

هذه الآية تحمل تحذيرًا نفسيًّا عميقًا: أن الغرور الروحي أخطر من الغفلة الظاهرة. فأن تجهل وتعلم أنك جاهل، خيرٌ من أن تجهل وأنت تظن أنك من أهل الصلاح والفهم. هذا ما يسمى في علم النفس بـ “الجهل المركب”.

كما تنبّه الآية إلى ضرورة مراجعة النية والعمل دائمًا، وأنه لا يكفي أن يُعجب الإنسان بعمله، بل عليه أن يُمحِّصه: هل هو موافق للحق؟ هل هو مخلص لوجه الله؟ هل هو قائم على علم وبصيرة؟

ثالثًا: الدعاء المستنبط من الآية

“اللهم لا تجعلنا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا”.. دعاء يعكس خوفًا صادقًا من الخسران، واستشعارًا لقيمة الهداية، التي لا تُنال إلا بتوفيق الله، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتحقق بالإخلاص والعلم معًا

تم نسخ الرابط