دراسة جديدة تكشف العلاقة بين السمنة لدى الأطفال واستخدام الهاتف والتلفزيون

أظهرت دراسة جديدة نُشرت في مجلة "Obesity Reviews" أن قضاء الأطفال وقتًا طويلاً أمام الشاشات - سواء الهاتف أو التلفزيون - يرتبط بزيادة احتمالية إصابة الأطفال بالسمنة والوزن الزائد، فكيف يحدث ذلك؟ ولماذا أصبحت الشاشات خطرًا حقيقيًا على صحة الأطفال؟.
الشاشات والسلوك الخامل.. المعادلة الأخطر
أجريت الدراسة على آلاف الأطفال من أعمار مختلفة حول العالم، ربطت بين زيادة وقت الشاشة وانخفاض معدلات النشاط البدني بشكل مباشر، حيث يقضي الطفل اليومي ساعات طويلة جالسًا دون حركة أثناء مشاهدة التلفاز أو استخدام الهاتف، ما يؤدي إلى تراكم الدهون في الجسم بسبب قلة الحركة.
لكن الأمر لا يتوقف عند قلة النشاط فقط، بل يتعداه إلى التأثير على سلوكيات الأكل والنوم، إذ أظهرت النتائج أن الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول أمام الشاشات، يستهلكون كميات أكبر من الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، نتيجة لتأثرهم بالإعلانات التي تستهدفهم، أو تناول الطعام أثناء المشاهدة دون وعي.
الهاتف الذكي.. متهم جديد في دائرة السمنة
رغم أن التلفاز ظل لسنوات طويلة المتهم الأول في قضية "سمنة الأطفال"، إلا أن الهاتف الذكي أصبح اليوم خصمًا جديدًا لا يقل خطورة، فقد أوضحت الدراسة أن الأطفال الذين يستخدمون الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية لأكثر من ساعتين يوميًا، يواجهون خطرًا أكبر بزيادة الوزن بنسبة تصل إلى 30%.
وتكمن خطورة الهواتف في أنها تتيح الوصول المستمر إلى الألعاب الرقمية ومقاطع الفيديو، ما يجعل الطفل غارقًا في محتوى ترفيهي لا يتطلب منه أي مجهود بدني، كما أن هذه الأجهزة غالبًا ما تكون شخصية ومتنقلة، مما يصعب على الأهل مراقبة استخدامها مقارنة بالتلفاز.
قلة النوم.. حلقة مفرغة تغذي السمنة
ومن النقاط المثيرة في الدراسة أيضًا، أن زيادة استخدام الشاشات تؤثر على جودة النوم لدى الأطفال، وهو عامل آخر يساهم في اكتساب الوزن، فالأطفال الذين ينامون لساعات أقل بسبب الاستخدام الليلي للهواتف أو مشاهدة التلفاز قبل النوم، يصبح لديهم خلل في الهرمونات المسؤولة عن الشهية، مما يدفعهم لتناول كميات أكبر من الطعام في اليوم التالي.
دور الأسرة.. منقذ أم مساهم في المشكلة؟
الخبراء الذين شاركوا في الدراسة شددوا على أهمية دور الأهل في وضع حدود زمنية صارمة لاستخدام الشاشات داخل المنزل، حيث تبين أن الأطفال الذين يعيشون في أسر تضع قواعد واضحة حول وقت الشاشة، لديهم فرص أقل للإصابة بالسمنة بنسبة تصل إلى 40%.
كما أوصت الدراسة الأهل بتشجيع أبنائهم على ممارسة الرياضة أو الأنشطة البدنية الممتعة كبديل للجلوس الطويل أمام الشاشات، مثل ركوب الدراجة، أو الاشتراك في النوادي الرياضية، أو حتى تنظيم نزهات عائلية في الهواء الطلق.
التكنولوجيا ليست العدو.. ولكن!
رغم النتائج الصادمة للدراسة، فإن الباحثين لم يطالبوا بمنع التكنولوجيا عن الأطفال بالكامل، بل أكدوا على ضرورة "الاستخدام الواعي والمحدد"، فالهاتف أو التلفاز يمكن أن يكون وسيلة تعليمية وتفاعلية إذا تم التحكم فيهما بالشكل الصحيح.
التركيز يجب أن يكون على نوعية المحتوى والمدة الزمنية، إلى جانب تعزيز التوازن بين الجلوس والنشاط البدني. فالتربية الصحية اليوم لم تعد تقتصر على الطعام فقط، بل تشمل تنظيم السلوك الرقمي للأطفال أيضًا.
في النهاية.. أين الحل؟
الحل كما يراه الباحثون يكمن في التوازن. يجب أن نعلم أطفالنا كيف يستخدمون التكنولوجيا بحكمة، وأن نكون قدوة في ذلك. كما يجب أن تتحول المدارس إلى بيئات داعمة للنشاط البدني، عبر إدخال حصص رياضية يومية أو أنشطة ترفيهية محفزة، وأن تتعاون مع الأسر لتثقيف الأطفال حول مخاطر السلوك الخامل.
فالسمنة ليست مجرد زيادة وزن، بل خطر متنامٍ يؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للأطفال، وقد يستمر معهم حتى الكبر. ومع انتشار الهواتف الذكية والتلفزيون في كل بيت، فإن التحدي الحقيقي أمامنا اليوم هو أن نحمي جيلًا كاملًا من خطر السمنة الرقمية.