عاجل

المجاعة في غزة.. الجوع ينهش الأجساد وحوادث النهب تطلق صفارات الإنذار

المجاعة في غزة
المجاعة في غزة

في قطاع غزة المحاصر، لم يعد الجوع مجرد تحدٍ يومي، بل تحوّل إلى كارثة إنسانية شاملة تنذر بعواقب وخيمة على أكثر من 2.4 مليون إنسان، نصفهم من الأطفال، فبعد شهور من الحصار الإسرائيلي الخانق، وعرقلة دخول الغذاء والدواء، تتوالى مشاهد النهب لمخازن الإغاثة والمطابخ المجتمعية في مشهد يعكس حالة الانهيار الكامل للبنية الإنسانية والاقتصادية في القطاع المنكوب.

ووسط أنقاض المنازل والمستشفيات، يكافح الفلسطينيون لتأمين وجبة يومية أو جرعة دواء، بينما تدق منظمات الإغاثة ناقوس الخطر بشأن تفشي سوء التغذية الحاد، خاصة بين الأطفال، وانهيار شبكات توزيع المساعدات، وقد وثّقت تقارير أممية وفاة عشرات الأطفال جوعاً، في وقت باتت فيه المطابخ الخيرية والمستودعات الإنسانية أهدافاً للنهب من قبل سكان لم يعودوا يملكون خياراً آخر للبقاء.

ولا يعكس هذا الواقع المأساوي حجم المأساة في غزة فقط، بل يطرح أسئلة أخلاقية وسياسية عميقة حول الصمت الدولي، وفعالية النظام الإنساني العالمي في التصدي لجرائم التجويع الممنهج، ومع تزايد الدعوات لوقف فوري لإطلاق النار وضمان دخول آمن للمساعدات، يبقى المدنيون في غزة أسرى للجوع والخوف، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.

نهب مخازن غزة يشير إلى تفاقم أزمة الجوع

في مؤشر خطير على الانهيار الكامل للأمن الغذائي في قطاع غزة، تزايدت بشكل لافت عمليات نهب مخازن المواد الغذائية والمطابخ المجتمعية خلال الأيام الماضية، ما يعكس حجم اليأس والجوع الذي ينهش السكان بعد شهرين من الحصار الإسرائيلي الكامل الذي قطع الإمدادات الحيوية عن القطاع.

وقال مسؤولون إغاثيون وسكان محليون إن ما لا يقل عن خمس حوادث نهب وقعت الأربعاء، استهدفت مطابخ خيرية ومتاجر تجارية، إضافة إلى اقتحام مجمع وكالة "الأونروا" الرئيسي وسرقة أدوية وتخريب مركبات.

وفي وقت تواصل فيه القوات الإسرائيلية هجومها البري والجوي في أنحاء غزة في حرب مستمرة منذ أكثر من 18 شهراً، سُجل الخميس مقتل 12 مدنياً في غارات جوية جديدة، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وقال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية، إن ما يجري "دليل على مدى خطورة الأوضاع وغياب القانون، وانتشار الجوع وفقدان الأمل"، مؤكداً أن المجتمع المحلي بات ينهار في ظل غياب أبسط مقومات الحياة.

ووصفت لويز ووتريدج، المسؤولة الأممية في "الأونروا"، ما يجري بأنه نتيجة "لانهيار شامل للنظام"، مشيرة إلى أن المجتمع ركع على ركبتيه بفعل الحصار والعنف الطويل الأمد، وقد اقتحم آلاف النازحين مجمع الأونروا في غزة، وألحقوا به أضراراً مادية وسرقوا الأدوية، بينما أرجع الشوا تفاقم الأزمة إلى الانقطاع التام للإمدادات، أكد إسماعيل الثوابطة، المتحدث باسم حكومة غزة، أن النهب ممارسات فردية لا تمثل الشعب، معتبراً أن السلطات تتعامل معها في إطار الحفاظ على النظام.

جوع يفتك بالأطفال وتهديد بإبادة جماعية

بينما تُتهم إسرائيل بإغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود منذ 2 مارس، تتفاقم الكارثة الصحية والإنسانية، خصوصاً بين الأطفال، فقد أعلنت وزارة الصحة أن أكثر من 65 ألف شخص يعانون من سوء تغذية حاد، بينهم أكثر من مليون طفل يواجهون الجوع اليومي، ولفظ 50 طفلاً أنفاسهم الأخيرة بسبب الجوع، آخرهم عدي فادي أحمد في مستشفى الأقصى بدير البلح.

وحذّرت "اليونيسف" من أن جميع الأطفال دون سن الخامسة – نحو 335 ألف طفل – على حافة الموت بسبب نقص التغذية. وتظهر بيانات رسمية أن 92% من الرضع بين 6 أشهر وسنتين لا يحصلون على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية، كما أن 65% من سكان غزة لم يعودوا قادرين على الوصول لمياه شرب نظيفة.

وفي هذا السياق، أكد برنامج الأغذية العالمي أن نحو مليوني شخص، معظمهم من النازحين، يعيشون من دون مصدر دخل، ويعتمدون كلياً على مساعدات مهددة بالتوقف، مع نقص حاد في الغذاء، وإغلاق جميع المخابز التي كان يدعمها وعددها 25 مخبزاً.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، يعاني أكثر من 90% من سكان غزة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، فيما أُغلقت 21 وحدة تغذية للأطفال بسبب نقص الموارد، وسط تحذيرات من انهيار وشيك في النظام الغذائي ما لم تُفتح المعابر فوراً لتأمين تدفق مستمر للمساعدات.

تصريحات إسرائيلية مثيرة ومطالبات دولية بوقف الإبادة

في موقف يعكس تشديد الحصار وتجذير الأزمة، دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى قصف مخازن الغذاء والمساعدات في غزة "للضغط على حماس من أجل إطلاق الرهائن"، وهو موقف أيّده -بحسب زعمه- مسؤولون في الحزب الجمهوري الأمريكي خلال زيارته لواشنطن، في المقابل، طالب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش باحتلال غزة وفرض حكم عسكري كامل عليها.

من جهته، ندد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بما وصفه بـ"حرب إبادة مكتملة الأركان" تشنها إسرائيل على سكان غزة، مضيفاً أن ما يجري هو "تطهير عرقي يُمارس بدم بارد لإفراغ الأرض من سكانها"، محذراً من أن الهدف هو إعادة هندسة ديمغرافية للقطاع عبر القتل والجوع والتهجير.

وفي كلمة ألقاها خلال جلسة رسمية للجامعة العربية، أكد أبو الغيط أن "ما يجري في غزة موثق، ولم يعد خافياً على أحد، إنه جريمة مستمرة ترتكب أمام العالم"، داعياً إلى تحرك عربي ودولي عاجل لوقف "الموت البطيء" الذي يتعرض له أكثر من مليوني إنسان داخل القطاع المحاصر.

تم نسخ الرابط