اللواء محمد الغباري: استراتيجية مصر بعد 30 يونيو غيّرت مفهوم سيناء

أكد اللواء محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، أن التهديدات المحيطة بمصر لا تزال قائمة من مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، سواء من الجنوب أو الشرق أو الغرب، بل وحتى من البحر المتوسط، مشيرًا إلى أن هذه التهديدات باتت جزءًا من طبيعة الموقع الجغرافي السياسي لمصر، والذي وصفه بأنه قد يكون نعمة أو نقمة بحسب قوة الدولة.
وأوضح الغباري خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق، ببرنامج نظرة، المذاع على قناة صدى البلد أن المفكر جمال حمدان كان يرى أن الموقع الجغرافي لمصر نعمة إذا امتلكت القوة لتحافظ عليه، بينما يتحول إلى نقمة إذا غابت هذه القوة، لأن الاستعمار عبر العصور كان يرى في موقع مصر كنزًا لا يُقدّر بثمن، ولم تتغير هذه الأطماع حتى اليوم.
محاولات مستمرة لإضعاف مصر
وأضاف الغباري: منذ ثورة 30 يونيو، بدأت مصر لأول مرة في وضع تخطيط استراتيجي طويل المدى يمتد لـ15 سنة، مستهدفة بناء دولة قوية قادرة على حماية مقدراتها واستغلال موقعها الحيوي. هذا التحول جعل مصر هدفًا لمحاولات مستمرة لإضعافها عبر فتح جبهات متعددة للضغط الاقتصادي والسياسي، دون اللجوء إلى الغزو العسكري التقليدي.
تاريخ سيناء
وفيما يخص سيناء، قال الغباري: تاريخيًا، كانت سيناء مجرد ممر للجيش المصري في طريقه نحو الشام، ولم تشهد معارك كبيرة عبر العصور سوى خلال الحرب العالمية الأولى بين الإنجليز والأتراك، أما في العصر الحديث، أصبحت سيناء ساحة للمعارك الكبرى: 1956، 1967، 1973، وصولًا إلى الحرب ضد الإرهاب.
سيناء أرض استقرار
وأشار الغباري إلى أن الاستراتيجية المصرية بعد 30 يونيو غيّرت مفهوم سيناء بشكل جذري، حيث لم تعد مجرد ممر عسكري، بل أصبحت أرض إقامة واستقرار، وهو ما يتطلب جهودًا ضخمة في التنمية والبناء، لمواجهة الأطماع القديمة والجديدة في هذه المنطقة الحيوية.
واختتم الغباري تصريحاته بالتأكيد على أن استقرار سيناء هو جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي، وأن معركة التنمية هناك لا تقل أهمية عن معركة الدفاع عن الأرض.
وفي سياق متصل أكد اللواء عادل العمدة، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، أن الوضع في سيناء لا يمثل خطرًا بالمعنى التقليدي، بل هو امتداد لتاريخ طويل من التحديات التي واجهتها هذه البقعة الغالية من أرض مصر، مشددًا على أن سيناء ما زالت تحتفظ بمكانتها كعمق استراتيجي للدولة المصرية، وستظل كذلك مهما كانت التهديدات.
وأوضح اللواء عادل العمدة خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق، ببرنامج نظرة، المذاع على قناة صدى البلد، أن شجر سيناء مروي بدماء الشهداء، وعلينا دائمًا أن نُقدّر تلك التضحيات التي بذلت من أجل أن نعيش ونحتفل بذكرى تحرير سيناء، التي نحتفي بها هذا العام في ذكراها الـ43، وعلينا ألا ننسى بطل الحرب والسلام، الرئيس الشهيد محمد أنور السادات، صاحب قرار النصر العظيم.
استعداد دائم ويقظة مستمرة
وأشار اللواء عادل العمدة إلى أن سيناء على مر التاريخ كانت هدفًا للعدوان وممرًا للمخاطر، واليوم لم تعد التهديدات مقتصرة على الحدود فقط، بل أصبحت الدولة مهددة من مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، بما في ذلك العمق الداخلي، وهو ما يتطلب استعدادًا دائمًا ويقظة مستمرة.
محط أنظار القوى الدولية
وأضاف أن الدولة المصرية بدأت مؤخرًا في التعاطي مع تحديات جديدة ظهرت نتيجة تبني ملفات استراتيجية، مثل إنشاء مركز إقليمي للبيانات ومشروعات الذكاء الاصطناعي، وهو ما جعل مصر محط أنظار القوى الدولية، قائلاً: أصبحنا ننافس بقوة في ملفات حساسة مثل الطاقة والنقل، وهو ما يفسر سعي بعض الأطراف لإرباك هذا التقدم.
وأكد على أن القوات المسلحة المصرية نفذت عمليات عسكرية كبيرة مثل عمليات "حق الشهيد" وصولاً إلى العملية الشاملة "سيناء 2018"، التي أسفرت عن القضاء على بؤر الإرهاب، وهو نجاح أمني تاريخي مهّد الطريق لبدء العملية التنموية، وذلك لأننا نعلم جيداً أن التنمية لا يمكن أن تتحقق بصورة كاملة في بيئة غير آمنة.