عاجل

استثمارات بمليارات الدولارات وشراكات تتجدد

جولة الرئيس السيسي ترسم خريطة جديدة للاقتصاد المصري

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي

في تحرك دبلوماسي لافت يعكس اتساع الأفق الاستراتيجي للسياسة الخارجية المصرية وتنامي الحضور المصري في محيطه الإقليمي، جاءت جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كل من جيبوتي وقطر والكويت خلال أبريل 2025، لتجسد نهجاً متكاملاً يرتكز على تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتوسيع دوائر التعاون التنموي، وترسيخ الروابط الثنائية مع دول محورية في محيطَي القرن الإفريقي والخليج العربي، حيث حملت اللقاءات والمباحثات التي أجراها الرئيس في العواصم الثلاث رسائل واضحة حول التزام مصر بدعم الأمن والاستقرار الإقليمي، وتوسيع قنوات التواصل والتعاون مع شركائها، عبر مشروعات نوعية واستثمارات استراتيجية، تترجم الرؤية المصرية لدور فاعل ومتوازن في محيطها الإقليمي والدولي، وتفتح في الوقت ذاته آفاقاً جديدة أمام الحضور المصري في أسواق واعدة وفرص تنموية متجددة.

شراكة استراتيجية ومبادرات تنموية لتعزيز الحضور المصري في القرن الإفريقي

في زيارة رسمية تعكس عمق العلاقات الثنائية المتنامية، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 23 إبريل 2025، بزيارة إلى جمهورية جيبوتي، في إطار حرص مصر على مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الدولة الشقيقة في مختلف المجالات، وقد عقد الرئيسان، جلسة مباحثات موسعة تناولت سبل تطوير التعاون الثنائي، حيث شددا على الروابط الأخوية والتاريخية التي تجمع بين البلدين، وأكدا التزامهما المشترك بالعمل على الارتقاء بهذه العلاقات وتكثيف التنسيق إزاء المستجدات الإقليمية والدولية، وبرزت ملفات الدفاع، والأمن، والطاقة، والتعليم، والصحة، والتجارة، والشباب، والثقافة، كأبرز مجالات التعاون التي اتفق الجانبان على تعميقها.

 وفي خطوة لافتة، أعلن الرئيسان عن إطلاق مشروع محطة طاقة شمسية بقرية "عمر جكع" ضمن خطة لتحقيق أمن الطاقة في جيبوتي، بالتعاون مع الهيئة العربية للتصنيع والوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، كما أشادا بالتقدم في مشروعات البنية التحتية والطاقة، منها توسعة محطة طاقة الرياح وإنشاء محطات للطاقة الشمسية في مواقع مختلفة.

 وفي ملف التعاون التجاري، ثمن الجانبان جهود تأسيس مجلس الأعمال المصري الجيبوتي، واتفقا على تخصيص 150 ألف متر مربع في المنطقة الحرة بجيبوتي للشركات المصرية كمركز لوجستي، بالتوازي مع الإعلان عن قرب افتتاح مقر بنك مصر الجديد هناك. كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، في مجالات الشباب والرياضة، والتعليم العالي، والإعلام، والاستعلامات، بما يعزز جسور التواصل بين شعبي البلدين. 

وفي بعد ديني وثقافي، نوه الرئيسان بدور الأزهر الشريف في تدريب الأئمة ونشر الخطاب الديني المعتدل في جيبوتي، مع الترحيب بمبادرة افتتاح مركز لتعليم اللغة العربية. أما في المجال الصحي، فقد أعلنت مصر عن إرسال قوافل طبية للكشف المبكر عن ضعف السمع، وتركيب وصلات شريانية لمرضى الكلى، فيما اتفق الجانبان على تفعيل مركز الأمومة والطفولة الجيبوتي بدعم مصري.

 ولم تغب الرياضة عن أجندة التعاون، حيث رحب الرئيسان بمبادرات تطوير المنشآت الرياضية، وعلى رأسها استاد "حسن جوليد"، فضلاً عن بحث سبل دعم التبادل الشبابي والطلابي. 

وفي مجال النقل الجوي، أكدا أهمية انتظام خط "مصر للطيران" المباشر بين القاهرة وجيبوتي منذ إطلاقه في يوليو 2024، ووجها بزيادة عدد الرحلات لتعزيز التبادل الشعبي والتجاري. زيارة حملت رسائل واضحة حول الدور المحوري لمصر وجيبوتي في محيطهما الإقليمي، وعززت من مكانة القاهرة كفاعل أساسي في رسم معادلات التعاون في القرن الإفريقي.

واقتصاديا، أعلن الجانبان عن تأسيس مجلس الأعمال المصري – الجيبوتي، وتدشين بنك مصر – جيبوتي، لفتح أسواقا جديدة أمام المنتجات المصرية، وتعزيز الحضور الاقتصادي المصري في جيبوتى.

بالنسبة للتحالف الدولى، مصر دعمت مرشح جيبوتي لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، كما طلبت القاهرة دعم جيبوتي لترشيح مصري في منظمة اليونسكو.

تعزيز الشراكة الاقتصادية بين مصر وقطر 

أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارة رسمية إلى الدوحة يومي 13 و14 أبريل 2025، شهدت حراكا دبلوماسيا واقتصاديا مكثفا، أسفر عن نتائج نوعية تؤكد حرص البلدين الشقيقين على دفع التعاون المشترك إلى آفاق أوسع.

وخلال الزيارة، التقى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بممثلي مجتمع الأعمال القطري، وذلك بحضور الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، وعدد من كبار المسؤولين في الحكومة القطرية، وممثلين عن غرفة تجارة وصناعة قطر ورابطة رجال الأعمال، إلى جانب مشاركة نخبة من كبار المستثمرين القطريين وممثلي الشركات الكبرى العاملة في السوق القطري.

في كلمته، دعا الرئيس السيسي رجال الأعمال القطريين إلى توسيع استثماراتهم في السوق المصري، مؤكدا أن مصر تمثل وجهة واعدة للمستثمرين بفضل موقعها الاستراتيجي، وتوفر العمالة الماهرة بتكلفة تنافسية، إلى جانب توفر الطاقة بأسعار مناسبة، وامتلاكها لاتفاقيات تجارة حرة تربطها بالأسواق العربية والأفريقية، فضلًا عن بنية تشريعية مرنة ومحفزة للاستثمار.

وأشار الرئيس إلى تنوع الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، لا سيما في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات التحويلية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والسياحة، موضحاً أن الدولة تعمل على توطين الصناعة وتعزيز الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة، خصوصًا الذكاء الاصطناعي، ومؤكداً استعداد مصر للدخول في شراكات مرنة مع المستثمرين القطريين.

واستعرض الرئيس أمام الحضور جهود الدولة المصرية في تحديث البنية التحتية، بما في ذلك بناء المدن الذكية وتطوير منظومة النقل والموانئ، وتدشين ممرات لوجستية دولية متكاملة، ما يعزز من تنافسية مصر كوجهة استثمارية.

كما قدّم المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، عرضًا شاملاً حول الإصلاحات الاقتصادية والاستثمارية التي نفذتها مصر خلال العقد الأخير، مشيراً إلى استثمارات ضخمة بلغت نحو 550 مليار دولار في مشروعات البنية الأساسية، شملت إنشاء آلاف الكيلومترات من الطرق، وتأسيس مدن وموانئ جديدة. وأضاف أن الحكومة تعمل على تحسين مناخ الاستثمار وتفعيل الشراكات مع القطاع الخاص وزيادة تنافسية الاقتصاد المصري إقليمياً ودولياً.

وخلال اللقاء، دار حوار تفاعلي بين الرئيس ورجال الأعمال القطريين تناول آفاق التعاون الاستثماري المشترك، حيث شدّد الرئيس السيسي على تجاوز الاقتصاد المصري لتحديات كبيرة بفضل برامج الإصلاح، موضحًا أن كافة العوائد بالعملات الأجنبية أصبحت متاحة للتحويل للمستثمرين، مع تبني الدولة لآليات مثل "الرخصة الذهبية" و"الشباك الواحد" لتسهيل إجراءات التراخيص.

وفي سياق متصل، أكد الرئيس السيسي على أهمية قطاع السياحة، مشيرًا إلى استهداف مضاعفة أعداد السائحين إلى 30 مليون سائح سنويًا، واستعرض فرص الاستثمار المتاحة في مجالات الزراعة، اللوجستيات، السيارات الكهربائية، التعليم، الصحة، والطاقة الجديدة، داعياً رجال الأعمال القطريين للاستفادة من هذه الفرص الواعدة.

وفي ختام اللقاء، وجّه السيد الرئيس رسالة مباشرة إلى مجتمع الأعمال القطري، قائلاً إن "الشعب المصري يرحب بكم كشركاء حقيقيين في مسيرة التنمية والازدهار".

وفي بيان مشترك صدر في ختام الزيارة، أعلنت مصر وقطر عن التوافق على حزمة استثمارات قطرية مباشرة في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار، تُنفذ في المرحلة المقبلة، تأكيداً على متانة العلاقات الاقتصادية الثنائية.

وقد اختُتمت الزيارة بتأكيد الجانبين على مواصلة البناء على ما تحقق من تقدم في العلاقات الثنائية، ودفعها نحو المزيد من الشراكة في مختلف المجالات، بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار للشعبين الشقيقين.

 

6.5 مليار دولار استثمارات كويتية مرتقبة في مصر حتى 2026

وتوجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دولة الكويت فى  14أبريل الجارى، في ثاني محطات جولته الخليجية، فى زيارة، في مشهد يعكس عمق الروابط الأخوية بين البلدين ، وتناول اللقاء سبل تعزيز العلاقات الثنائية، والاستفادة من الميزات النسبية للبلدين، بما يسهم في تعزيز الشراكة بينهما ويحقق تطلعات الشعبين الشقيقين .

في تطور لافت في مسار العلاقات الاقتصادية بين مصر والكويت، استقطبت الحكومة المصرية استثمارات كويتية جديدة بقيمة تصل إلى 6.5 مليار دولار حتى نهاية عام 2026، من بينها 4 مليارات دولار يرتقب ضخها خلال العام الجاري.

وتمثل الاستثمارات نقلة نوعية في الشراكة الاقتصادية بين البلدين، خاصة أنها ستوجه إلى مجموعة متنوعة من القطاعات الحيوية التي تحظى باهتمام استراتيجي من جانب الحكومة المصرية، وعلى رأسها: صناعة السيارات، والسياحة، والتطوير العقاري، وصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى جانب الطاقة الجديدة والمتجددة، والمراكز اللوجستية، والبنية التحتية، والزراعة، والبنوك، والاتصالات، والصناعات البتروكيماوية، والأغذية، والنقل، والطرق، والموانئ.

وبين الرئيس السيسي خلال الزيارة أن  الحكومة المصرية، تقدم حوافز وتسهيلات إضافية للمستثمرين الكويتيين، في مقدمتها تخصيص أراضي صناعية للمشروعات المستهدفة، خاصة المرتبطة بصناعة السيارات، على أن تتضمن تلك المشروعات نسبا مرتفعة من المكون المحلي.

وتعكس هذه الخطط الطموحة متانة العلاقات الاقتصادية بين القاهرة والكويت، حيث بلغ عدد المشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين نحو 1431 مشروعاً، فيما تحتل الكويت المركز الخامس ضمن قائمة أكبر الدول المستثمرة في مصر، والثالثة عربياً بعد الإمارات والسعودية.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، بلغت الاستثمارات الكويتية المباشرة في مصر نحو 1.2 مليار دولار، في حين سجّل التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2024 نحو 507 ملايين دولار، وهو ما يعكس تطوراً ملحوظاً في العلاقات الاقتصادية الثنائية رغم التحديات الإقليمية والدولية.

ويُنظر إلى هذه الاستثمارات المرتقبة باعتبارها ثمرة مباشرة للجهود التي تبذلها الدولة المصرية لتهيئة مناخ استثماري جاذب، من خلال تبني سياسات داعمة للقطاع الخاص، وتقديم حوافز غير مسبوقة، خاصة في ظل استمرار الإصلاحات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد المصري، وتوسع الحكومة في البنية التحتية والمناطق الصناعية واللوجستية.

وفي ظل هذه المؤشرات الإيجابية، يُتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تنامياً ملحوظاً في حجم الشراكات الاستثمارية بين القاهرة والكويت، بما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للاستثمار، ويعكس في الوقت ذاته الثقة المتزايدة من قبل المستثمرين الكويتيين في الاقتصاد المصري.

 

تم نسخ الرابط