هل يجوز أداء الحج عن الغير تبرعًا؟.. الإفتاء توضح الضوابط الشرعية

مع اقتراب موسم الحج، يتزايد تساؤل البعض حول مشروعية أداء فريضة الحج عن شخص آخر على سبيل التبرع، سواء كان هذا الشخص حيًا غير قادر أو متوفيًا، وتزداد هذه الأسئلة تحديدًا من قبل أولئك الذين يرغبون في أداء الفريضة عن قريب عزيز أو أحد أفراد الأسرة ممن لم يتمكنوا من أداء النسك.
قدمت دار الإفتاء، توضيحًا دقيقًا حول هذا السؤال المتكرر، موضحة الأحكام الشرعية والضوابط التي تحكم "الحج عن الغير تبرعًا"، ومتى يكون ذلك جائزًا ومتى يُمنع، حفاظًا على قدسية الشعيرة وسلامة النية.
يجوز الحج عن الغير بشروط
أكدت دار الإفتاء، أنه يجوز أداء الحج عن شخص آخر على سبيل التبرع في حالات معينة، أهمها أن يكون الشخص المتبرع عنه غير قادر على أداء الحج بنفسه لعذر دائم، كمرض مزمن أو تقدم في العمر يمنعه من القدرة الجسدية، أو أن يكون قد تُوفي قبل أن يتمكن من الحج.
وأوضحت الإفتاء، أن هذا النوع من الحج يُعرف بـ"النيابة في الحج"، ويشترط فيه أن يكون المتبرع قد أدى الحج عن نفسه أولًا، إذ لا يجوز أن يحج الإنسان عن غيره قبل أن يُتم حجه الشخصي.
ما الفرق بين الحج عن الحي والحج عن الميت؟
في السياق ذاته، فرقت الفتوى بين حالتين واضحتين: الحج عن الميت والحج عن الحي العاجز.
- الحج عن الميت: جائز بالإجماع إذا كان المتوفى لم يتمكن من أداء الفريضة قبل وفاته، سواء بسبب ظروف مادية أو مرض أو تأجيل متكرر حتى توفاه الله، ويُثاب الحاج المتبرع على عمله ويصل الثواب إلى الميت بإذن الله.
- الحج عن الحي العاجز: جائز بشروط صارمة، أبرزها أن يكون الشخص العاجز غير قادر على الإطلاق على أداء الحج بنفسه، وألا يرجى له الشفاء، وأن يأذن للحاج المتبرع بالقيام بذلك نيابة عنه.
أما إذا كان الشخص المنيب قادرًا صحيًا وماليًا لكنه يؤجل أداء الحج دون عذر، فلا يُقبل عنه الحج بالنيابة.
هل يُشترط وجود صلة قرابة بين المتبرع والمُحج عنه؟
أشارت دار الإفتاء، إلى أنه لا يُشترط وجود صلة قرابة بين الحاج والمتبرع عنه، فيجوز لأي شخص أن يحج عن آخر بنية التبرع، طالما توفرت الشروط الشرعية، وعلى رأسها أداء الحاج للفرض عن نفسه أولًا، ووجود العذر الشرعي الذي يمنع الشخص المُحج عنه من أداء الفريضة.
كما أوضحت أن النية في هذا المقام مهمة جدًا، فيجب أن تكون النية خالصة لوجه الله، لا رياء فيها ولا مباهاة، لأن الحج في جوهره عبادة خالصة وموسم للروح لا مجال فيه للمفاخرة.
الحج بالنيابة لا يُغني عن الحج
نبهت الفتوى إلى نقطة مهمة وهي أن من أوكل غيره لأداء الحج عنه وهو قادر عليه ماديًا وجسديًا، فإن الحج لا يُحسب له، ويظل مطالبًا بأداء الفريضة بنفسه، فلا يُغني الحج بالنيابة عن الحج الواجب على القادر، بل هو مخصص فقط للعاجزين أو المتوفين.
وأكدت أن التكاسل أو الانشغال بأمور الدنيا ليس مبررًا للتفويض أو الإنابة، فالحج ركن من أركان الإسلام لا يسقط إلا بالعجز التام.
الحج تبرعًا.. عبادة ومروءة
أداء الحج عن الغير تبرعًا لا يُعد فقط من أعمال البر، بل هو نوع من الإحسان العميق الذي يجمع بين العبادة والرحمة، خاصة عندما يُقدم الإنسان على أداء الفريضة عن شخص توفاه الله أو عن والديه الذين لم يحجا في حياتهم، وهو ما يعتبره العلماء من أعظم القُربات.
كما أن التبرع بالحج يحمل في طياته معاني التكافل الديني والإنساني، ويمثل امتدادًا لفهمنا للعبادات كوسيلة لنفع الآخرين ومشاركتهم الأجر والثواب.
فهم صحيح الحج
في ختام توضيحها، أكدت دار الإفتاء أن الحج عن الغير تبرعًا أمر مشروع في الإسلام، لكنه مرتبط بشروط شرعية دقيقة لا بد من مراعاتها، حتى لا يقع المسلم في مخالفة قد تفسد العبادة أو تُضيع الأجر.
ودعت الراغبين في التبرع بالحج إلى مراجعة أهل العلم والفتوى، والتأكد من توافر شروط النيابة، ونية الإخلاص لله، لأن الحج عن الغير تكليف عظيم لا يُؤخذ باستهتار أو بدافع عاطفي فقط، بل بفهم ديني صادق واستحضار لأهمية الفريضة.