عاجل

من مدين إلى البشرية.. شعيب عليه السلام ورسالة التوحيد والعدل

شعيب عليه السلام
شعيب عليه السلام

في سياق تسليط الضوء على قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم، تأتي قصة نبي الله شُعيب عليه السلام كواحدة من أبرز القصص التي تجمع بين الدعوة إلى التوحيد ومواجهة الفساد المجتمعي والاقتصادي، وهو ما يجعلها ذات صلة وثيقة بقضايا الإنسان في كل زمان ومكان.

شعيب عليه السلام بُعث إلى قوم مدين، وهم أمة عربية سكنت شمال غرب الجزيرة العربية، وكانت تجارتهم نشطة، لكنهم اشتهروا بالغش والتطفيف في الميزان، والتلاعب في الكيل، وقطع الطرق، وظلم الناس في أموالهم. وقد وصفهم القرآن بأنهم:
“كانوا يَبخَسون الناس أشياءهم ويُفسدون في الأرض”.

جاء شعيب عليه السلام بدعوة إصلاحية متكاملة، ترتكز أولاً على عبادة الله وحده، ثم تُعالج الانحرافات السلوكية والاقتصادية في المجتمع. وقد تميز أسلوبه بالحكمة واللين، فخاطب قومه بقوله:
“يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قد جاءتكم بيّنة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم”.

ورغم وضوح دعوته وعدالة مطالبه، لم يتقبلها قومه، بل اتهموه بالسحر والسفه، وهددوه بالطرد إن لم يرجع عن دعوته. وكان ردهم ساخرًا:
“أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟”.

استمر شعيب عليه السلام في دعوته دون تراجع، محذرًا قومه من عذاب الله، ومذكرًا إياهم بما حدث لأقوام من قبلهم، مثل قوم نوح وهود وصالح، لكنهم أصروا على العناد والتكذيب، بل طالبوه بإسقاط العذاب عليهم إن كان صادقًا.

فجاءهم عقاب الله، كما ورد في قوله تعالى:
“فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، الذين كذبوا شعيبًا كأن لم يغنوا فيها”.

ويُعرف شعيب عليه السلام بلقب “خطيب الأنبياء”، لما تميز به من بلاغة في خطابه، وقوة في حجته، وصدق في دعوته. وتُعد قصته نموذجًا فريدًا للداعية الذي يواجه الانحراف الأخلاقي والاقتصادي بالحكمة والرحمة، دون أن يساوم على مبادئه.

إن رسالة شعيب عليه السلام لا تزال حية، تُحذّر المجتمعات من التلاعب في الحقوق، وتنبه إلى خطورة الفساد الاقتصادي، وتُعلّمنا أن الإيمان لا يكتمل إلا بعدل في التعامل، وأمانة في البيع، واحترام لحقوق الآخرين.

تم نسخ الرابط