عاجل

أمريكا تتجه لحظر الأصباغ الصناعية لحماية الأطفال وصحة الأجيال المقبلة

الملونات الصناعية
الملونات الصناعية

في خطوة تُعدّ من بين الأهم في تاريخ السياسات الصحية الغذائية الأميركية، أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) عن نيتها حظر استخدام كافة الأصباغ الصناعية المستخدمة في المنتجات الغذائية داخل الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بصورة تدريجية تنتهي بحلول عام 2026، في مسعى لحماية الصحة العامة، خصوصًا لدى الأطفال، من التأثيرات السلبية لتلك المواد الكيميائية.
 

الإعلان الرسمي جاء على لسان الدكتور مارتي مكاري، الرئيس الجديد لـFDA، خلال مؤتمر صحافي عُقد في العاصمة واشنطن، حيث صرّح بأن "الإدارة عازمة على إزالة جميع أنواع الألوان الغذائية المشتقة من البترول من السوق الأميركية بشكل نهائي"، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "ثورية" من حيث التوجه العلمي والسياسي في آنٍ معًا.

ثمانية أنواع من الملونات الصناعية إلى زوال

القرار الذي لاقى ترحيبًا واسعًا من المنظمات الصحية والأوساط العلمية، يتضمن الحظر التدريجي لثمانية من أبرز الأصباغ الصناعية المستخدمة على نطاق واسع في صناعة الأغذية الأميركية، والتي أظهرت الدراسات الحديثة والقديمة ارتباطها بآثار صحية ضارة، تشمل اضطرابات سلوكية ونفسية عند الأطفال مثل فرط النشاط ونقص الانتباه، بالإضافة إلى زيادة احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري، بل وحتى السرطان في بعض الحالات.

ومن بين أبرز هذه المواد:

  • Red 40، المعروفة في أوروبا باسم E129، وتُعدّ من أكثر الألوان استخدامًا في الحلوى والمشروبات الغازية والمخبوزات.
  • Yellow 5 أو E102، وتستخدم على نطاق واسع في المشروبات والأطعمة الجاهزة.
  • Yellow 6 أو E110، وهي شائعة في رقائق الحبوب والصلصات والمثلجات.


أطفال أميركا في قلب المعاناة

في كلمته، أشار مكاري إلى واقع خطير تعيشه الأسر الأميركية منذ عقود، قائلاً: "على مدى الخمسين عامًا الماضية، نشأ أطفالنا في بيئة محمّلة بالمواد الكيميائية الصناعية، في غذائهم ومشروباتهم وحتى في ألعابهم". وأضاف أن التراكم العلمي خلال السنوات الأخيرة أظهر بوضوح علاقة مباشرة بين هذه الأصباغ الصناعية وبين تزايد معدلات الأمراض السلوكية والعضوية، لا سيما في المراحل العمرية المبكرة.

هذا التوجه الصحي الجديد يُعدّ استكمالاً لقرارات سابقة، كان أبرزها في يناير الماضي حين حظرت الإدارة السابقة صبغة "ريد 3" (Red 3)، المعروفة أيضًا باسم "E127" في أوروبا، والتي تم ربطها منذ أكثر من ثلاثين عامًا بزيادة نسب الإصابة بالسرطان لدى الحيوانات في التجارب المخبرية، ورغم ذلك استمر استخدامها في الأسواق لعقود بسبب نفوذ الشركات الصناعية وتأخر الاستجابة التشريعية.

تلوين بلا قيمة غذائية... وتضليل للمستهلك

في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية، أوضح الدكتور بيتر لوري، رئيس مركز العلوم في المصلحة العامة (CSPI)، أن هذه الألوان الصناعية "لا تُضيف شيئًا من حيث الفائدة الغذائية"، بل تُستخدم فقط "لأغراض تجارية بحتة، من أجل تحسين مظهر المنتجات الغذائية وجعلها أكثر جاذبية"، وهو ما اعتبره "نوعًا من التضليل البصري"، لأن المستهلك يظن أن المنتج غني وطازج بناءً على لونه، بينما الواقع يفتقر إلى أي قيمة غذائية حقيقية.

وتُستخدم هذه الألوان في آلاف المنتجات التي يتناولها الأطفال والبالغون يوميًا، من الحلوى الملونة والمشروبات الغازية إلى حبوب الإفطار ووجبات السناك الجاهزة.

تحذيرات من تباطؤ الصناعة في التكيّف

لقي القرار ترحيبًا من خبراء الصحة العامة والتغذية، حيث اعتبروه نقلة نوعية في إدارة المخاطر الصحية المتعلقة بالنظام الغذائي في أميركا، وأحد أبرز انتصارات الطب الوقائي في العقد الأخير. كما رحّبت جمعيات أولياء الأمور والمربين بالخطوة، لا سيما أن الأطفال هم الفئة الأكثر تعرضًا لاستهلاك هذه المنتجات الملونة دون وعي بخطورتها.

لكن على الجانب الآخر، يُتوقع أن تواجه شركات الأغذية الكبرى تحديات كبيرة في تكييف منتجاتها مع القوانين الجديدة، من حيث إعادة الصياغة، واستخدام بدائل طبيعية آمنة لا تؤثر على الطعم والمظهر الذي اعتاد عليه المستهلك.

معايير صحية مشددة

مع اقتراب موعد الحظر النهائي في نهاية عام 2026، من المتوقع أن تشهد الصناعة الغذائية طفرة في البحث عن بدائل طبيعية للأصباغ، كالتي تستخلص من البنجر، والفراولة، والكركم، والسبيرولينا، وهي خيارات طبيعية وصحية أكثر، لكنها قد تكون أكثر تكلفة وأقصر صلاحية.

في ضوء ذلك، يرى مراقبون أن هذه الخطوة ليست مجرد قرار تنظيمي، بل هي تعبير عن توجه أوسع نحو جعل النظام الغذائي أكثر أمانًا واستدامة، تماشيًا مع التغير في سلوك المستهلكين وازدياد وعيهم بالمكونات الغذائية وتأثيراتها.

تم نسخ الرابط