حكم تلقين المتوفى بعد دفنه والطريقة الشرعية التي حددتها الإفتاء

يثور دائمًا الجدل بين الناس حول بعض الممارسات الدينية التي تُجرى بعد الوفاة، ومنها ما يعرف بـ"تلقين المتوفى بعد الدفن"، وهي عادة منتشرة في العديد من المجتمعات الإسلامية، حيث يقف بعض الأهل عند القبر لتلقين الميت الشهادة أو بعض الأسئلة، ما حكم تلقين المتوفى بعد دفنه؟ وهل له أصل شرعي؟ وما رأي دار الإفتاء المصرية في هذه المسألة؟، وفي السطور التالية، نجيب على كل ما يشغل بالك حول هذه القضية، وفق ما صدر عن دارالإفتاء المصرية، وبناءً على آراء كبار العلماء، وبصيغة سيو منظمة تسهّل على القراء الوصول للمعلومة الموثوقة.
ما المقصود بتلقين المتوفى بعد دفنه؟
التلقين بعد الدفن هو أن يقف أحد أقارب الميت أو أحد المشايخ عند قبر المتوفى بعد دفنه مباشرة، ويبدأ في قول كلمات محددة له بصوت مرتفع، مثل: "يا عبد الله ابن أمة الله، إذا جاءك الملكان فقل..."، في محاولة لمساعدة الميت على الإجابة على أسئلة القبر التي يُسأل عنها، مثل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟.
رأي دار الإفتاء في تلقين المتوفى بعد دفنه
أكدت دار الإفتاء المصرية، أن تلقين الميت بعد دفنه من الأمور الجائزة شرعًا ولا مانع منها، وهو من الأعمال المستحبة التي وردت عن بعض الصحابة والسلف الصالح، وليس فيها بدعة أو مخالفة شرعية كما يعتقد البعض.
وأوضحت دار الإفتاء، أن التلقين يُقصد به الدعاء للميت وتذكيره وهو في أول لحظاته في القبر، ولا يُعد من الغيبيات المحرمة، بل هو نوع من الرجاء في الله بأن يثبّت الميت عند السؤال، استنادًا لقوله تعالى: "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ".
الدليل من السنة والإجماع
رغم أن التلقين بعد الدفن لم يُنقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشكل مباشر، إلا أن عدداً من الصحابة والتابعين عملوا به، ومنهم عبدالله بن عمر، كما أن عددًا من كبار العلماء مثل الشافعي، والنووي، وابن القيم، وابن حجر الهيتمي أشاروا إلى جوازه واستحبابه.
وقد جاء في بعض الروايات أن النبي وقف على قبر أحد الصحابة بعد دفنه وقال: "سلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل"، وهو دليل على مشروعية الدعاء وتثبيت الميت عند القبر.
طريقة تلقين المتوفى بعد دفنه
ذكرت الإفتاء، أن الطريقة الصحيحة لتلقين الميت، وهي:
- أن يقف أحد الحاضرين عند رأس القبر بعد إتمام الدفن.
- أن يقال بصوت مسموع: "يا عبد الله ابن أمة الله، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور."
- يختم التلقين بالدعاء له بالثبات: "اللهم ثبته عند السؤال، اللهم آنسه في وحدته، وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين".
- هذا التلقين لا يستغرق أكثر من دقيقة أو دقيقتين، لكنه يُعد بابًا من أبواب الرحمة للميت، ودعاءً صادقًا من أهله له بالثبات.
هل التلقين واجب أم مستحب؟
بحسب دار الإفتاء، فإن التلقين بعد الدفن ليس فرضًا ولا سنة مؤكدة، بل هو من الأمور المستحبة التي إن فعلت فلا بأس، وإن لم تُفعل فلا إثم فيها، الهدف الأساسي منه هو الدعاء للميت، وليس تعليمه كما يظن البعض، لأن الميت انتقل لعالم مختلف لا ندركه.
الرد على من يعتبره بدعة
أكد علماء الأزهر ودار الإفتاء أن إطلاق لفظ "بدعة" على كل ما لم يُفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم غير دقيق، لأن هناك بدعًا حسنة تدخل ضمن دائرة المباحات، خصوصًا إن كانت تتماشى مع مقاصد الشريعة كالدعاء والرحمة.
وبالتالي، فإن تلقين الميت بعد الدفن لا يُعد بدعة مذمومة، بل هو ممارسة شرعية مقبولة تُشجّع على التراحم والدعاء، وهي من السنن الاجتماعية الطيبة التي توارثها المسلمون عبر العصور.