الإفتاء: المساواة في الميراث ليس قضية تصويت بل واجب شرعي لا يتغير

أكدت دار الإفتاء المصرية على موقفها الراسخ من الدعوات المطروحة للمساواة في الميراث بين الذكور والإناث، مشيرة إلى أن هذه الدعوات لا تمثل إلا محاولة لزعزعة قدسية النصوص الشرعية التي حددها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم. وأوضحت الدار في بيان لها أنها تابعت باهتمام النقاشات التي تدور حول هذا الموضوع، وأكدت على أن أي اقتراح بتغيير فريضة الميراث هو خلط بين التصرفات الفردية والتشريع الإلزامي.
أولًا: التبرع الفردي لا ينتج تشريعًا عامًا يلغي أصل جواز التبرع ويجعله إلزامًا
وقالت دار الإفتاء: "التبرع الفردي لا ينتج تشريعًا عامًا يلغي أصل جواز التبرع ويجعله إلزامًا قانونيًّا. فلا خلاف بين العلماء في جواز تبرع الشخص لأخته أو غيرها من ماله أو نصيبه من الميراث، لكن أن يُتخذ هذا الجواز الفردي ذريعة لتغيير أحكام الميراث القطعية، فذلك ليس إلا مغالطة."
ثانيًا: الفرضيات الجدلية لا تُنتج أحكامًا شرعية
وأكدت دار الإفتاء على أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالميراث هي أحكام توقيفية من الله تعالى، ولا يمكن تغييرها بالتصويت أو بالاتفاق المجتمعي. وأضافت أن الميراث ليس مجرد "حق" يمكن التنازل عنه أو تغييره، بل هو "فريضة" واجبة على المسلمين، مشيرة إلى قوله تعالى: "فريضةً من الله" في آية الميراث.
ثالثًا: مغالطة القياس على التبرع
القياس بين التبرع (وهو مباح) وبين تغيير فريضة الميراث (وهو محظور) هو قياس فاسد، أشبه بمن يقترح توزيع أموال الأغنياء بين الفقراء بالقوة لأنهم «يستطيعون التبرع بها!» فلو كان هذا منطقًا سليمًا، لما بقي حقٌ ثابت ولا مالٌ مصون.
رابعًا: المقصد الحقيقي هو زعزعة قدسية النص
إن ما يُراد فعليًا من هذه الدعوات ليس المساواة كما يُدعى؛ بل نزع القداسة عن النصوص القطعية، وتحويلها إلى ساحة نقاش وجدال، لكنها أمور محفوظة بحفظ الله لها، لأنه إذا قُبل هذا المنطق غير المستقيم، فستُفتح الأبواب لكل تأويل باطل، يُقاس فيه المشروع «التبرع» على غير المشروع «تغيير الفرائض»، ويمهد لهدم الضروريات الخمس، تحت غطاء «الاجتهاد المجتمعي»، والواقع أنه إلغاء للشريعة باسم الاجتهاد.
خامسًا: هل يبقى التبرع حقًّا بعد تحويله إلى قانون؟
إذا ما تم تشريع المساواة في الميراث، فلن يعود التبرع خيارًا؛ بل يُصبح حقًا قانونيًّا يُمكن أن يقاضي الأخ إن لم يعطِ أخته ما لم يُفرض عليه شرعًا، فيُسلَب الإنسان ماله، ويُحمّل ما لم يُكلّفه الله به، وهذا هو عين الظلم.
سادسًا: الثوابت ليست محل تصويت
إن الثوابت ليست قاصرة على العبادات أو أركان الإسلام، بل كل قطعيات الدين، أي التي ثبتت بنص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة- سواء في كل مجالات التشريع الإسلامي كما لا يخفى ذلك على العامة فضلًا عمن ينتسب للعلم.
وفي ختام بيانها، حذرت دار الإفتاء من أن الدعوة إلى المساواة المطلقة في الميراث تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي ليست إلا ستارًا خادعًا يراد به نقض الحكم الشرعي، وإسقاط القدسية عن النصوص، قائلة: "إن هذه الدعوات تسعى لتحويل النصوص الثابتة إلى مادة للنقاش، وهو ما قد يفتح الباب لتأويلات باطلة قد تهدم الضروريات الخمس وتلغي الشريعة باسم الاجتهاد المجتمعي."
وأشارت إلى أن الحفاظ على حقوق الأفراد وفقًا للأحكام الشرعية يعد من أسمى واجبات المجتمع المسلم، وأن أي تعديل لتلك الحقوق يمثل مساسًا بالقيم والمبادئ الدينية الثابتة.