عاجل

مصطفى زايد: عيد القيامة حالة من البعث الروحي يعيشها السالك في طريق الله

مصطفى زايد الباحث
مصطفى زايد الباحث في الشأن الصوفي

تحتفي الطوائف المسيحية بعيد القيامة، ويشاركهم المسلمون أعيادهم في مشهد يجسد المحبة والألفة والترابط بين الجميع، وذلك بعد أيام من احتفالهما سويًا بعيد الفطر. 

كيف ينظر الصوفية لـ عيد القيامة 

ومع احتفالات "عيد القيامة"، يكشف الباحث في التصوف مصطفى زايد لـ نيوز رووم أن عيد القيامة الذي يُعَدّ ذروة الشعائر الدينية في المسيحية، إذ يُخلِّد ذكرى قيامة السيد المسيح من بين الأموات. لكن في حضرة الذوق الصوفي، لا يُنظر إلى هذا العيد كما ينظر إليه عموم المتدينين من جهة التاريخ والجسد، بل يُقرأ بنظّارة رمزية عالية، ترى في القيامة لا مجرد حدثٍ خارق في الماضي، بل حالة مستمرة من البعث الروحي واليقظة الكونية، يعيشها السالك في طريق الله، كلما انكسرت فيه نفسه وقامت روحه.

 

وقال إن الصوفية لا يُعيرون اهتمامهم للتأريخ الحرفي للأحداث، وإنما يُمعنون النظر في إشاراتها الباطنية، فقيامة المسيح، كما يُفسرها بعض أهل التحقيق، إنما تُشير إلى قيامة الإنسان من ظلمة الهوى إلى نور الروح، من قبر الأنا إلى نور الفناء في الله. يقول ابن عربي في “الفتوحات المكية”: "كل ميت يبعث في القيامة، وقيامة كل واحد بحسبه، فمن بعث من غفلة إلى يقظة فقد قامت قيامته". فالقيامة عند ابن عربي ليست موعدًا سماويًا فقط، بل لحظة داخلية مستمرة، يكابدها العارف في كل مرحلة من مراحل سيره وسلوكه.

ويمضي قد تحدّث الإمام عبد الكريم الجيلي في "الإنسان الكامل" عن القيامة النفسية، التي يرى أنها أعظم من القيامة الحسية، لأنها انتقال من الوجود الأدنى إلى الأكمل. ويقول: "قيامة الأرواح أسبق من قيامة الأشباح، فمن لم يقم في دنياه فلن يعرف القيامة في أخراه".

وأكد أنّ السالك الصوفي، في كل خلوة وذكر ومجاهدة، يمرُّ بقيامة صغيرة. يُبعث من حالٍ إلى حال، وتنفك عنه قيود عالم الصورة، ليدخل في حيوية المعنى، فيقوم فيه القلب بعد موته، وتُبعث فيه اللطيفة بعد أن طمرتها ظلمات العادة.

وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى طقس "عيد القيامة" في المسيحية من منظور صوفي إسلامي، باعتباره رمزًا كونيًا للبعث المستمر، كما يُشير بعض الباحثين مثل مرسيليو فيتشينو في كتابه "اللاهوت الصوفي الأفلاطوني". فقد رأى فيتشينو أن "القيامة" هي عودة النفس إلى نورها الأول، وهذا عين ما يقول به السهروردي في "حكمة الإشراق" عندما يتحدث عن "العروج النوراني" و"العودة إلى عالم الأنوار القاهرية".

وقد تحدّث بعض مشايخ الطرق الصوفية في مصر، مثل الشيخ محمد زكي إبراهيم، مؤسس جماعة الدعوة إلى الله، عن ضرورة "القيام الرمزي" في حياة السالك، فكتب في إحدى رسائله: "لا بدّ أن يموت المريد عن نفسه، ثم يُبعث في ربه، وهذا هو سر القيامة عند القوم".

واختتم:  «هكذا، فإن عيد القيامة، وإن كان في ظاهره احتفالًا دينيًا مسيحيًا، إلا أن المعنى الصوفي يجعله مناسبةً رمزيةً عالمية، يتأمل فيها السالكون معنى الحياة بعد الموت الباطني، ويذكرون أنفسهم أن كل موتٍ يعقبه ولادة، وكل فناء يعقبه بقاء، وأن "القيامة" الحقة ليست في القبور، بل في القلوب».

تم نسخ الرابط