في وجه الطغيان: قصة الصحابية أم شريك التي تحوّلت من سجينة في مكة إلى رمز دعوي

في واحدة من أروع صور الصمود والتضحية في صدر الإسلام، برز اسم الصحابية الجليلة أم شريك (غزية بنت جابر)، كواحدة من السابقات إلى الإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت من أوائل من دخلن الإسلام في مكة، متحديةً قيود المجتمع الجاهلي وقسوة أهله
دعوتها السرية وموقفها الجريء
دخلت أم شريك الإسلام دون تردد، وبدأت تدعو إليه سرًا داخل بيوت قريش، مُخاطِرةً بكل ما تملك من مكانة وأمان. كانت تطرق أبواب نساء قريش لتحدثهن عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتُعرّفهن بالله، والجنة، والبعث بعد الموت. وكان لكلماتها وقعٌ كبير، خاصة وأنها جاءت من امرأة.
قريش تُعذبها وتُضيّق عليها الخناق
عندما علمت قريش بإسلامها ودعوتها، انقضّ أهل مكة عليها، خاصة أهل بيتها، فحبسوها، وجعلوا معها شخصين لا يرحمانها، لا يقدّمان لها طعامًا ولا شرابًا، ويتركونها لأيام في العطش والضعف، ظنًا أنهم سيكسرون إيمانها. لكنها لم تضعف، بل كانت تردّد الشهادة، وتستعين بالصبر والدعاء، فكان عذابها شاهدًا على قوتها لا على ضعفها.
نجاتها بأمر الله
شاء الله أن تمرّ امرأة من نساء قريش، فرأت حال أم شريك، فرقّ قلبها وسقتها خلسة، ثم علم أحد رجال المسلمين بما يحدث، فهرّبها إلى المدينة المنوّرة حيث استُقبلت بالحب والتقدير من الصحابة، بعد أن أصبحت رمزًا للثبات والصبر في وجه الطغيان
دورها في نشر الدعوة الإسلامية: امرأة واحدة تواجه الجاهلية
لم تكتفِ أم شريك بالإيمان الصامت، بل حملت على عاتقها منذ اللحظة الأولى مسؤولية نشر الإسلام، وكأنها أدركت أن الإيمان الصادق لا يكتمل إلا بالدعوة إليه. فكانت من أوائل النساء اللاتي شاركن في نشر الرسالة المحمدية داخل مكة، في وقتٍ كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يُبلّغ دعوته سرًا، ويتلقى هو وأصحابه أشد أنواع الأذى.
كانت أم شريك تدخل على نساء قريش في بيوتهن، وتحدّثهن عن الله الواحد، وعن النبي الأميّ الذي جاء ليُخرج الناس من ظلمات الجهل والوثنية إلى نور التوحيد. استخدمت علاقاتها الاجتماعية ومكانتها كامرأة قُرَشية عاقلة ومُحترمة لنشر كلمات الحق، دون أن تهاب العواقب.
تقول بعض الروايات إن دعوتها بدأت تؤثر بالفعل، وأن عددًا من النساء أصغين إليها وتأثرن بكلامها، ما أثار غضب أسياد قريش، الذين رأوا في هذا التمدد النسائي خطرًا على بُنيتهم الفكرية والاجتماعية
إرث خالد لنساء المسلمين
اليوم، تُروى قصة أم شريك في كتب السيرة كواحدة من أجرأ النساء في التاريخ الإسلامي. لم تكن مجاهدة بالسيف، لكنها جاهدت بنفسها ودينها وإرادتها، وأصبحت ملهمةً لكل امرأة مسلمة تعرف أن طريق الإيمان ليس مفروشًا بالورود، لكن نهايته نورٌ وعز.