قصة سيدنا عيسى عليه السلام.. معجزات ودعوة إلى التوحيد

سيدنا عيسى عليه السلام من أبرز الأنبياء الذين بعثهم الله هدايةً لبني إسرائيل، وهو أحد أولي العزم من الرسل. وُلد بمعجزة إلهية دون أب، حيث بشر به الملك جبريل السيدة مريم العذراء، واهتمت حياته بما حملته من معجزات ودعوات إلى التوحيد والإيمان بالله
ميلاد خارق.. ومعجزة تنطق بالحقيقة
بدأت قصة سيدنا عيسى عليه السلام بمعجزة، حيث وُلد من غير أب، حينما نفخ جبريل بأمر الله في السيدة مريم، فحملت ووضعت نبي الله عيسى، قال تعالى: “إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ…” [آل عمران: 45].
وعند ولادته، تحدث في المهد معرّفًا بنفسه، ليبرئ والدته من تُهمة قومها، فقال: “إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا…” [مريم: 30]. وهي لحظة مفصلية تؤكد أن الله اختاره منذ ولادته لحمل الرسالة.
الدعوة إلى التوحيد وتصحيح الانحرافات
بعث الله عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ليعيدهم إلى طريق التوحيد، بعد أن انحرفوا عن شريعة موسى عليه السلام، وتحكمت فيهم الأهواء والكهنة. دعاهم عيسى لعبادة الله وحده، وأكّد أنه عبد لله ورسوله، وليس ابنًا له كما سيزعم البعض لاحقًا. وجاء القرآن ليؤكد ذلك بوضوح: “ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل…” [المائدة: 75].
وقد أجرى الله على يديه آيات عظيمة تثبت صدقه، مثل إحياء الموتى، وشفاء الأكمه والأبرص، وإخبار الناس بما يدخرون في بيوتهم، وكلها بإذن الله، ليؤكد أن المعجزة لا تنفصل عن الإيمان بالتوحيد
الفتنة الكبرى ورفعه إلى السماء
حين رأى اليهود أن دعوته تهدد نفوذهم، كذبوه واتهموه بالسحر، وخططوا لقتله، ولكن الله عز وجل أنجاه ورفعه إلى السماء، وألقى شبهه على آخر. قال تعالى: “وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم…” [النساء: 157].
ومنذ تلك اللحظة، تفرقت الأقوال بين من قال إنه إله، ومن قال إنه ابن الله، ومن أنكر نبوّته، لكن الإسلام جاء ليُعيد الحق إلى نصابه، ويُقر بعيسى نبيًا كريمًا من أولي العزم، ويُنفي عنه الألوهية: “إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه…” [النساء: 171].
العودة في آخر الزمان
تؤمن الأمة الإسلامية أن سيدنا عيسى لم يمت، وأنه سيعود في آخر الزمان، كما جاء في الأحاديث النبوية الصحيحة، ليكسر الصليب، ويقتل المسيح الدجال، ويُقيم العدل، ويحكم بشرع الإسلام، ثم يموت موتًا طبيعيًا ويُدفن كغيره من البشر
رسالة روحية خالدة
ما يميز قصة سيدنا عيسى أنها لم تكن فقط دعوة ظاهرية، بل حملت في طياتها دعوة إلى نقاء القلوب، والإيمان من الداخل. دعا إلى الرحمة والتسامح والتواضع، وقال كما يروي القرآن: “وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا، وبِرًّا بوالدتي…” [مريم: 31–32].
وهو بذلك يُعد من أعظم رموز الطهر والنقاء في تاريخ الرسالات، إذ لم يكن سعيه لبناء سلطة دنيوية، بل لنشر النور الإلهي في زمن كثرت فيه الظلمات.
قصة سيدنا عيسى عليه السلام تعكس أوج العلاقة بين المعجزة والرحمة، بين الدعوة والتحدي، بين التوحيد والانحراف. وستظل رسالته خالدة، وموقفه من الفتن عبرةً لكل مؤمن، حتى يعود ليُتم رسالته كما وعد الله