قصة يأجوج ومأجوج في سورة الكهف.. من فتنة الأرض إلى نهاية الزمان

تعد قصة يأجوج ومأجوج في سورة الكهف واحدة من أعمق القصص التي ذكرتها القرآن الكريم، حيث تقدم لنا عدة دروس وعبر حول الفساد في الأرض وعواقب ذلك، وتفتح الباب لفهم كيف أن الله سبحانه وتعالى يحكم بين عباده في الأمور المتعلقة بالعدل والشر. وهذه القصة وردت في آخر السورة، وتحديدًا في الآيات 83 إلى 98، في سياق الحديث عن ذي القرنين، أحد الحكام الصالحين الذين جابوا الأرض ناشرين العدل، وابتغوا في ذلك وجه الله تعالى.
ذو القرنين وتلبية نداء القوم
ذي القرنين كان ملكًا عظيمًا ذا سلطة ونفوذ، وقد أوتي من كل شيء سببًا من القوة والقدرة. وفي رحلته، بلغ ذو القرنين موضعًا بين جبلين حيث قابل قومًا كانوا يعيشون وراء هذه الجبال. هؤلاء القوم كانوا يتعرضون لأذى يأجوج ومأجوج، الذين كانوا يعتبرون سببًا رئيسيًا للفساد في الأرض. كان هؤلاء القوم قد أرسلوا إلى ذي القرنين، يشكون من فساد يأجوج ومأجوج الذين كانوا يخرجون عليهم في كل وقت ويهدمون ما يبنون، ويسببون الخراب والدمار.
بناء السد بين الجبلين
عندما طلب القوم من ذي القرنين أن يقيم لهم حاجزًا بينه وبينهم، وافق ذو القرنين على طلبهم، لكنه رفض أن يتقاضى أي مال مقابل ذلك، قائلًا: “ما مكنني فيه ربي خير”. فقام ببناء سَد عظيم من الحديد باستخدام القطر (النحاس المذاب) حتى غطى بين الجبلين، وذكر القرآن: “فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا”، مما يعني أن السد كان متينًا للغاية، غير قابل للاختراق أو الفتح. وعندما أكمل السد، قال ذو القرنين: “هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء وكان وعد ربي حقًّا”، أي أن هذا السد لم يكن نهاية القصة، بل مجرد تأجيل مؤقت لما سيحدث في المستقبل.
وصف يأجوج ومأجوج في القرآن
يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم يوصفون بأنهم قوم فاسدون في الأرض، وهذا الفساد يتجلى في قوتهم الجسدية الهائلة وقدرتهم على التدمير. وُصفوا بأنهم من أكبر الفتن التي سيواجهها الناس في آخر الزمان، حيث سيخرجون في وقت معين بعد زوال السد الذي بناه ذو القرنين، ليُفسدوا في الأرض فسادًا عظيمًا. ولذلك، فإن وجودهم مرتبط بعلامات الساعة الكبرى.
الفتنة الكبرى وخروجهم في آخر الزمان
أشار النبي محمد ﷺ في العديد من الأحاديث إلى فتنة يأجوج ومأجوج بأنها من أعظم الفتن التي ستحدث في آخر الزمان، حيث يخرجون من وراء السدّ ليدمروا كل شيء في طريقهم. في بعض الأحاديث، وُصف عددهم بالكثرة الشديدة، حيث قال ﷺ: “يخرجون على الناس وهم لا يمرون بشيء إلا دمره”، كما أنهم يُحاصرون الناس في مدنهم ويشربون المياه، حتى تأتي لحظة حاسمة في التيقن من إهلاكهم.
العبرة من القصة: الفساد والتقوى
أما العبرة الكبرى التي يجب أن يستفيد منها المسلمون من هذه القصة فهي أن الفقر والفساد لا يمكن تحصينهما إلا بتقوى الله والعمل الصالح، وأن الأسوار والحواجز مهما كانت متينة، فإن النهاية تأتي بأمر الله وحده، حينما يحين موعده. ويعلمنا القرآن أيضًا أن الفتن الكبرى في آخر الزمان لا يمكن للإنسان مواجهتها إلا بالرجوع إلى الله، كما فعل ذو القرنين، الذي ركز على العدل والإصلاح دون أن يطلب مقابلًا ماديًا.
خاتمة: دروس وقيم من قصة يأجوج ومأجوج
وفي النهاية، فإن قصة يأجوج ومأجوج تُعد تذكيرًا قويًا للمؤمنين بأن الفساد في الأرض سيظل موجودًا حتى في أشد العصور قوة، وأن الإنسان لا يستطيع الهروب من الفتن إلا إذا كان ركيزًا في إيمانه بالله، ثابتًا على الصراط المستقيم، مستعدًا لما هو آتٍ.