دار الإفتاء توضح ضوابط الزواج الشرعي.. وليمة بلا إسراف ومهر بعيد عن المغالاة

تحوّلت بعض مناسبات الزواج في عصرنا إلى مظاهر استعراضية يغلب عليها التكلّف والإسراف، سواء في إعداد الولائم أو المغالاة في المهور، مما يُثقل كاهل الأسر، ويجعل الزواج عبئًا بدلًا من أن يكون بابًا للسكينة والمودّة. وتكرّس هذه المظاهر مفاهيم اجتماعية قد تُعيق الشباب عن الإقدام على خطوة الزواج، وتبتعد عن جوهر الحكمة التي أرساها الإسلام في بناء الأسرة.
فما هو الموقف الشرعي من هذه المبالغات؟ وهل الوليمة واجبة أم مستحبة؟ وهل وضع الإسلام حدًا للمهر؟ ومتى يُعد الإنفاق إسرافًا
أولًا: حكم الوليمة في الإسلام
أوضحت دار الإفتاء أن وليمة النكاح سنة مؤكدة باتفاق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. والأمر بها في السنة النبوية محمول على الاستحباب، وليس على الوجوب.
الدليل من السنة:
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “أنَّ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبه أَثَرُ صُفْرَةٍ، فسأله فقال: تزوجت امرأة من الأنصار. قال: كم سقت إليها؟ قال: زِنة نواة من ذهب، قال: «أولم ولو بشاة»”. [رواه البخاري ومسلم].
• وعن صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: “أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير”. [رواه البخاري].
ثانيًا: التحذير من الإسراف في الولائم
حث الإسلام على الاعتدال في كل جوانب الحياة، بما في ذلك الأفراح والولائم، ونهى عن الإسراف والتبذير في إقامة الأعراس.
أدلة من القرآن والسنة:
• قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
• وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» [رواه الحاكم].
تنبيه العلماء:
• قال الإمام سراج الدين ابن عادل: “المراد أن يأكل ويشرب بحيث لا يتعدى إلى الحرام، ولا يكثر الإنفاق المستقبح، ولا يتناول مقدارًا يضره”.
• وأوضح الإمام الصنعاني في “سبل السلام” أن حقيقة الإسراف هي مجاوزة الحد في كل قول أو فعل، وهو في الإنفاق أشهر.
ضابط عدم الإسراف:
• يكون بعدم إهلاك الطعام، إما بتوزيع الفائض منه على الفقراء، أو طهي ما لا يزيد عن الحاجة.
• والحد في ذلك يُرجع فيه إلى العرف والعادة، ما لم يحدده الشرع.
ثالثًا: المهر بين التيسير والمغالاة
هل حدد الإسلام مهرًا معينًا؟
• الإسلام لم يضع حدًّا أعلى للمهر، لكنه حث على التيسير، ومنع المغالاة فيه، بل جعل تعليم بعض آيات القرآن مهرًا مقبولًا.
• قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرجل أراد الزواج: «زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» [رواه النسائي].
أحاديث في فضل تيسير المهر:
• قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أعظم النساء بركة أيسرهن صداقًا» [رواه الحاكم].
• وقال أيضًا: «التمس ولو خاتمًا من حديد» [رواه البخاري].
رابعًا: هل يشترط الغنى للزواج؟
• لم يشترط الإسلام الغنى أو الثراء، بل اشترط فقط القدرة على تحمل مسؤوليات الأسرة.
• قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج…» [رواه البخاري].
• و”الباءة” تعني القدرة على النكاح وتوفير ما يلزم للمعيشة من طعام ولباس ومسكن.
خامسًا: معايير اختيار الزوج في الإسلام
الإسلام وضع معيارًا واضحًا لاختيار الزوج أو الزوجة، وهو الدين وحسن الخلق.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» [رواه الترمذي]
وييستدل بذلك أن :
الزواج في الإسلام يقوم على التيسير لا التعسير، وعلى الرحمة لا المظاهر، وعلى التقوى لا التفاخر. وعلى الآباء والأمهات أن يُيسروا الزواج لأبنائهم، وأن يتجنبوا المبالغة في الولائم والمهور، ليحفظوا شباب الأمة من الفتن، ويقيموا بيوتًا تبنى على المودة والرحمة.
فالعبرة ليست بكثرة ما يُنفق، بل بالبركة التي تُدخِل السكينة والرضا إلى البيت المسلم