عاجل

دراسة : ليلة نوم عميقة واحدة تحسّن الاستيعاب حتى بعد 15 شهرًا

النوم
النوم

في عالم يتسارع فيه نمط الحياة وتتزايد فيه ساعات العمل والضغوط اليومية، أصبح النوم من أكثر العناصر المهملة في جدول الإنسان العصري، إلا أن دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة Nature سلطت الضوء على أهمية النوم ودوره العميق في تقوية الذاكرة البشرية، حيث كشفت أن ليلة نوم واحدة فقط بعد التعلم يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في ترسيخ المعلومات واسترجاعها حتى بعد مرور أكثر من عام.

النوم ليس مجرد راحة… بل عملية لإعادة بناء الذاكرة

بحسب الدراسة التي أجراها باحثون من جامعات مرموقة مثل أكسفورد وستانفورد، فإن النوم لا يقتصر على استراحة الجسد، بل هو عملية نشطة يعيد فيها الدماغ تنظيم وترسيخ المعلومات التي تم اكتسابها خلال النهار، وتوصل الباحثون إلى أن النوم العميق، تحديدًا في المرحلة المعروفة بـ "موجات النوم البطيئة" (Slow Wave Sleep)، يلعب دورًا محوريًا في نقل الذكريات من الذاكرة قصيرة المدى إلى طويلة المدى، مما يُسهم في تعزيز قدرات التعلم والاستيعاب لاحقًا.

تفاصيل الدراسة: ما الذي حدث؟

تم إجراء الدراسة على مجموعة من البالغين الذين طُلب منهم تعلُّم معلومات جديدة في جلسة مسائية،  ثم قُسّم المشاركون إلى مجموعتين: الأولى حصلت على ليلة نوم كاملة، بينما ظلت المجموعة الأخرى مستيقظة طوال الليل،  بعد 15 شهرًا، أُعيد اختبار المشاركين لمعرفة مدى تذكرهم للمعلومات التي تعلموها في تلك الليلة، وكانت النتيجة مذهلة: المجموعة التي نامت بعد التعلم تفوقت بشكل واضح على المجموعة الأخرى، حيث تمكن أعضاؤها من تذكر التفاصيل الدقيقة للمادة بشكل فاق التوقعات.

لماذا هذه الدراسة مهمة؟

تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تُعد من أوائل الدراسات التي تثبت أن تأثير النوم على الذاكرة لا يقتصر على الأيام أو الأسابيع التالية للتعلم، بل يمتد لأكثر من عام، وهذا يُغير من الطريقة التي ينظر بها العلماء إلى علاقة النوم بالتعلم، ويفتح آفاقًا جديدة في مجالات مثل التعليم، التدريب المهني، وحتى إعادة التأهيل العصبي لمرضى فقدان الذاكرة.

كيف يُحسن النوم أداء الذاكرة؟

خلال مراحل النوم المختلفة، وخاصة النوم العميق ونوم حركة العين السريعة (REM)، تحدث مجموعة من العمليات الدماغية المعقدة التي تُعيد تنشيط وتمرير المعلومات عبر مناطق مختلفة من الدماغ، هذا التنشيط يُشبه إلى حد كبير "إعادة عرض" لما تم تعلمه سابقًا، وهو ما يساعد في تثبيت المعلومات وربطها بمفاهيم ومعارف سابقة، مما يجعل استرجاعها لاحقًا أكثر سهولة وسرعة.

دراسات سابقة تدعم نفس الفرضية

ليست هذه المرة الأولى التي يُربط فيها النوم بتحسين الذاكرة، حيث أشارت أبحاث سابقة إلى أن النوم بعد المذاكرة يُساعد الطلاب على أداء أفضل في الامتحانات،  كما بيّنت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين ينامون بشكل منتظم ولفترات كافية يتمتعون بقدرة أعلى على التركيز واتخاذ القرار، مقارنة بمن يعانون من اضطرابات النوم أو قلة النوم.

هل يمكن تعويض النوم المفقود؟

من الأسئلة الشائعة بين الناس: "هل يمكن تعويض ليلة من السهر بنوم طويل في اليوم التالي؟" تشير الدراسات إلى أن تأثير النوم لا يعمل كـ "رصيد بنكي" يمكن تعويضه لاحقًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتثبيت الذكريات، النوم بعد وقت قصير من التعلم هو ما يعطي الدماغ الفرصة لإعادة ترتيب المعلومات وتخزينها في أماكنها الصحيحة، أما التأخير فقد يقلل من فعالية هذه العملية.

نصائح لتحسين جودة النوم من أجل ذاكرة أقوى

لتحقيق أقصى استفادة من تأثير النوم على الذاكرة، يُنصح باتباع الإرشادات التالية:

  • الحفاظ على مواعيد نوم واستيقاظ
  • منتظمة: حتى في عطلات نهاية الأسبوع.
  • تجنب استخدام الهواتف الذكية قبل النوم: الضوء الأزرق المنبعث منها يؤثر على إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم.
  • تهيئة بيئة النوم: غرفة مظلمة، هادئة، ودرجة حرارة مناسبة.
  • ممارسة تمارين التنفس أو التأمل قبل النوم: للمساعدة في تهدئة الذهن والاستعداد للنوم العميق.
  • الابتعاد عن الكافيين والمنبهات مساءً: خاصةً بعد الساعة 6 مساءً.

ماذا يعني هذا مستقبلًا؟

تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن المدارس والجامعات والمؤسسات التدريبية قد تحتاج إلى إعادة التفكير في جداولها الزمنية، بحيث تُعطى فترات الراحة والنوم أهمية توازي أهمية المادة التعليمية نفسها. كما يمكن للأطباء استخدام هذه النتائج في وضع خطط علاجية جديدة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الذاكرة، مثل كبار السن أو مرضى الزهايمر.


ليلة نوم واحدة فقط بعد التعلم قد تكون كافية لإحداث فرق كبير في قدرتك على التذكر واستيعاب المعلومات. هذا ما أكدته دراسة علمية حديثة غيّرت مفاهيم كثيرة حول علاقة النوم بالذاكرة. لذا، في المرة القادمة التي تُفكر فيها في السهر بعد يوم دراسي أو تدريبي طويل، تذكر أن النوم ليس كسلًا، بل هو استثمار طويل الأمد في دماغك وقدراتك الذهنية.

تم نسخ الرابط