بعد فقدان نجلها الأكبر.. تعرف على أبناء المطربة فيروز

وسط حالة من الحزن خيّمت على الوسط الفني والجمهور العربي، رحل صباح أمس الموسيقار زياد الرحباني، نجل السيدة فيروز والموسيقار الراحل عاصي الرحباني، عن عمر ناهز الـ69 عامًا، بعد رحلة طويلة من الإبداع والتأثير في الموسيقى العربية المعاصرة، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا ضخمًا، وجرحًا جديدًا في قلب “جارة القمر”.
ومع رحيل زياد، يخسر العالم العربي أحد أبرز رموز التجديد في الموسيقى، بينما تخسر فيروز ابنها الأكبر، وشريكها في عدد من أهم أعمالها، ورفيق دربها الذي كثيرًا ما كان جزءًا من صوتها وصورتها الفنية.
أبناء فيروز.. بين الفقد والانزواء والصمت المحب
تزوجت فيروز من الموسيقار عاصي الرحباني عام 1955، وأنجبت أربعة أبناء، لكل منهم حكاية مختلفة تنسج خيوطًا من الألم، والعزلة، والوفاء العميق:
زياد الرحباني (1956 – 2025)
هو الابن البكر، ووريث الموهبة الرحبانية، عُرف بجرأته الفنية وتوجهه السياسي المختلف، وقد بدأ مسيرته الفنية منذ سنوات المراهقة حين لحّن أولى مسرحياته لوالدته، وكتب وأخرج أعمالًا لامست وجدان الناس وكسرت السائد.
ورغم المسافة التي خلقتها بعض تصريحاته، عاد مؤخرًا ليظهر إلى جوار والدته في صورة نشرتها شقيقته ريما الرحباني، في لحظة أمل قصيرة سبقت الرحيل الصادم، كان زياد صوتًا مميزًا في حياة فيروز، فنيًا وإنسانيًا، ورحيله يعيد إلى الأذهان سلسلة من الخسارات التي واجهتها في حياتها الخاصة.
ليال الرحباني (1960 – 1988)
الفاجعة الأولى في حياة فيروز كانت برحيل ابنتها الشابة ليال عن عمر لم يتجاوز 29 عامًا، إثر انفجار في المخ، وهو نفس المرض الذي تسبب في وفاة والدها عاصي الرحباني قبلها بعامين فقط.
ليال رحلت في صمت تام، في جنازة اقتصرت على المقربين، وظلت شقيقتها ريما تروي تفاصيل تلك الليلة التي فرّقت بينهم إلى الأبد، تقول ريما: “كانت تلك آخر ليلة تجمعنا جميعًا.. صباح اليوم التالي لم يكن ككل الصباحات”، ورغم مرور السنوات، لا تزال وفاة ليال تمثل واحدة من أعمق الجروح في حياة فيروز، خاصة مع الالتباس الإعلامي الذي أذاع خبر وفاتها قبل تأكيده رسميًا، وسط اتهامات طالت عمها منصور الرحباني بنشر الخبر دون تحقق.
هلي الرحباني (1958 – )
ابنها الثاني، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وُلد وهو يعاني من إعاقات عقلية وجسدية، ورفضت فيروز وضعه في أي مؤسسة طبية، وقررت أن ترعاه بنفسها حتى اليوم، رغم تجاوزها الثمانين وتجاوزه هو الستين.
لأجله كتبت ولحّنت وغنّت فيروز أغنيتها العاطفية الفريدة “سلملي عليه”، التي خرجت من قلبها مباشرة، بلا وزن أو قافية، فقط مشاعر أمّ تخاطب ابنًا لا يسمعها ولا يدرك كلماتها، لكنها تعلم أن الحب وحده يصله.
ريما الرحباني (1965 – )
الابنة الصغرى، والمخرجة التي تتولى إدارة أعمال والدتها، والظلّ الأقرب إليها في سنوات العزلة.
دافعت عن والدتها في مواجهة الكثير من الشائعات، سواء عن مرضها أو ميولها السياسية، وكانت منسقة ظهورها النادر خلال السنوات الماضية، كما تصدت لأزمة الخلاف بين فيروز وزياد، قبل أن تعلن المصالحة في وقت لاحق.
حياة فيروز.. وجعٌ لا يُقال
رغم الشهرة العالمية، لم تكن حياة فيروز شخصية هادئة كما قد يظن البعض. فقدت الزوج والشريك الفني عاصي الرحباني عام 1986، ثم ابنتها ليال عام 1988، واليوم تفقد ابنها الأكبر زياد، الذي جمع بين صفة الابن والمُلحن والفنان المثير للجدل.
اختبرت السيدة فيروز كل ألوان الفقد، لكن صوتها لم يصرخ، بل كان دائمًا يسير على حافة الألم بصوت يختزن الوجع دون أن يفجّره. لم تكن حياتها صاخبة كصوتها، بل كانت أشبه بالبكاء الصامت، كما يقول جمهورها، الذي بكى اليوم زياد، وبكاه أكثر لأجل أمه التي ودّعته بصمت جديد.
رحيل زياد الرحباني لا يمثّل فقط فقدان فنان كبير، بل يعني أيضًا انتهاء فصل طويل من الحكاية الرحبانية العائلية التي غيّرت شكل الأغنية العربية، وخسارة جديدة لأمّ صنعت من وجعها موسيقى، ومن سكوتها صلاة.