عاجل

حكم الإسلام في القتل الرحيم.. جريمة أم رحمة؟ دار الإفتاء توضح

القتل الرحيم
القتل الرحيم

لا يزال موضوع "القتل الرحيم" أو ما يُعرف في الأوساط الطبية والقانونية باسم Euthanasia من أكثر القضايا الجدلية التي تثير نقاشًا واسعًا بين الأوساط الدينية، الطبية، والقانونية، خصوصًا مع التطور الطبي الكبير الذي يواجه حالات مرضية مستعصية لا يُرجى شفاؤها. وفي هذا السياق، أجابت دار الإفتاء المصرية مؤخرًا عن سؤال شائك: "ما حكم قتل المريض الميؤوس من شفائه؟"، لتضع حدًا للغموض وتوضح الموقف الشرعي الإسلامي الصريح من هذه الممارسة.

دار الإفتاء: القتل الرحيم محرم شرعًا حتى وإن طلبه المريض أو ذويه


أوضحت دار الإفتاء المصرية أن ما يُعرف بالقتل الرحيم، أي إنهاء حياة المريض الميؤوس من شفائه، حرام شرعًا، سواء تم ذلك بناءً على طلب المريض نفسه أو بإرادة ذويه أو بتصرف الطبيب، واستندت الفتوى إلى عدد من الأدلة القرآنية والحديثية، أبرزها قوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا" [النساء: 29]، وقوله أيضًا: "ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه" [النساء: 93].

وأكدت دار الإفتاء أن الحياة الإنسانية مقدسة، ولا يجوز للإنسان أن ينهيها، مهما كانت شدة المرض أو صعوبة الألم، موكدة أن القتل الرحيم يُعد من كبائر الذنوب، ويندرج تحت بند القتل العمد، حتى وإن كان بدافع "الرحمة"، مشيرة إلى أن الآلام التي يتحملها الإنسان تُعد من صور الابتلاء والاختبار، ولا يملك الإنسان نفسه كي يُنهي حياته.

حديث نبوي يؤكد تحريم قتل النفس بسبب الألم

استندت دار الإفتاء أيضًا إلى حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي ورد في الصحيحين، وجاء فيه: "كان برجل جراح، فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة". ويُعد هذا الحديث دليلًا قاطعًا على أن الانتحار، حتى لو كان بدافع الألم الجسدي، محرم ومرفوض تمامًا في الإسلام.

الفرق بين القتل الرحيم ورفع أجهزة الإنعاش

في سياق متصل، فرقت دار الإفتاء بين القتل الرحيم المحرم شرعًا وبين رفع أجهزة الإنعاش أو التوقف عن استخدام الوسائل العلاجية التي لم تعد تفيد المريض. وأوضحت أنه إذا قرر الأطباء المتخصصون أن المريض قد دخل في مرحلة الموت الإكلينيكي (السريري)، فإن رفع الأجهزة يصبح أمرًا جائزًا شرعًا، لأنه لا يُعد قتلًا متعمدًا بل توقفًا عن علاج لا فائدة منه.

وهنا، توضح المؤسسة الدينية أن النية والظروف المحيطة تلعبان دورًا كبيرًا في الحكم، فقتل النفس عمدًا يختلف تمامًا عن التوقف عن علاج ميؤوس منه بعد فقدان الأمل علميًا وواقعيًا.

المواقف الدولية: بين تجريم وتحليل مشروط

تجدر الإشارة إلى أن قضية القتل الرحيم تختلف فيها القوانين من دولة لأخرى. فعلى سبيل المثال، تُعتبر دول مثل هولندا وبلجيكا وسويسرا وكندا من أوائل الدول التي شرّعت القتل الرحيم تحت شروط طبية صارمة، منها أن يكون المريض في حالة معاناة شديدة لا تُحتمل، وأن يُبدي رغبته الصريحة والمتكررة بإنهاء حياته، وألا يكون مصابًا بمرض نفسي يُفقده الأهلية.

وفي تقرير نشرته مجلة The Atlantic الأمريكية، نُقل عن عدد من الأطباء في الولايات المتحدة قولهم إن القتل الرحيم يجب أن يكون الخيار الأخير بعد استنفاد كل طرق العلاج، وأكدوا أن قرارات مثل هذه يجب أن تمر من خلال لجان طبية وأخلاقية متخصصة، وليس بقرار فردي من طبيب أو عائلة.

أما في الولايات المتحدة، فالقانون يختلف من ولاية لأخرى، حيث تبيحه ولايات مثل أوريغون وكاليفورنيا وفيرمونت تحت ما يُعرف باسم "الوفاة بمساعدة طبية" (Medical Aid in Dying)، بشرط أن يكون المريض في المراحل النهائية من مرض مميت، وأن يُقرر طبيبان على الأقل استحالة شفائه.

منظمات حقوقية: الجدل لا ينتهي

تُظهر تقارير صادرة عن منظمات حقوقية مثل Human Rights Watch أن الجدل حول "حق الإنسان في الموت" لا يزال مستمرًا، حيث ترى بعض الجهات أن إنهاء الحياة في حالات الألم الشديد هو من حقوق الإنسان الأساسية، بينما ترى أخرى أن ذلك يُفتح الباب لانتهاكات خطيرة بحق الضعفاء وكبار السن، ما قد يؤدي إلى استخدام القتل الرحيم كوسيلة لتخفيف العبء المالي أو الاجتماعي.

احترام الحياة فوق كل اعتبار

في ضوء ما سبق، يتضح أن القتل الرحيم يخالف الشريعة الإسلامية بشكل قاطع، وأن حياة الإنسان ليست ملكًا له لينهيها بإرادته، بل هي هبة من الله لا يجوز التفريط فيها. وتؤكد دار الإفتاء أن الألم مهما كان شديدًا، يُحتسب أجره عند الله، ولا يُبرر الإقدام على قتل النفس أو القبول بقتل الآخرين.

كما تشير التجارب العالمية إلى أن تشريع القتل الرحيم لا يخلو من الإشكاليات الأخلاقية والعملية، مما يجعل الحاجة ملحّة إلى تعزيز الرعاية التلطيفية (Palliative Care) للمصابين بأمراض مزمنة ومؤلمة، بدلًا من دفعهم إلى قرار الموت.

تم نسخ الرابط