إطلاق أسماء الأشخاص على المساجد.. ما بين الفقه والتقاليد المجتمعية

في وقت تشهد فيه المجتمعات الإسلامية نشاطا واسعا في مجال بناء المساجد وتعميرها، يتجدد الجدل حول مشروعية إطلاق أسماء الأشخاص على بيوت الله، وخاصة أولئك الذين يساهمون ماديًا في بنائها أو الذين تحظى أسماؤهم بمكانة اجتماعية أو دينية. فما هو الموقف الفقهي من هذه الظاهرة؟ وهل يُعد ذلك من باب التكريم أم يُخشى منه الرياء أو مخالفة لروح الإسلام؟
التسمية في ضوء الشريعة
يرى جمهور الفقهاء والعلماء أن الأصل في بناء المسجد يجب أن يكون خالصًا لوجه الله تعالى، لا رياء فيه ولا سمعة. لكن إطلاق اسم أحد الأشخاص على المسجد – كأن يُقال “مسجد الحاج فلان” – جائز شرعًا، إذا كان القصد من ذلك هو التمييز والتعريف، لا التمجيد أو المباهاة. وقد ورد عن بعض السلف إطلاق أسماء على المساجد للتعريف بها وليس للتعظيم، مثل “مسجد عمر” أو “مسجد علي”، وهي أسماء أُطلقت لغرض تحديد الموقع وليس للعبادة في اسم معين.
دار الإفتاء: لا مانع مع سلامة القصد
أكدت دار الإفتاء المصرية في أكثر من فتوى أن إطلاق أسماء الأشخاص على المساجد جائز شرعًا، إذا كان الغرض مجرد التعريف أو التكريم، لا الإشادة الزائدة أو العبادة أو التقديس. وأضافت أن الواجب هو مراعاة النية في التسمية، وألا يُقصد بها الرياء أو السمعة، مشددة على أن “العمل بالنيات”، كما في الحديث الشريف.
الرأي الآخر: الأولى ترك التسمية
من ناحية أخرى، يرى بعض العلماء أنه وإن جاز شرعًا إطلاق أسماء الأشخاص على المساجد، إلا أن الأولى والأفضل ترك ذلك، والتسمية بأسماء ذات طابع ديني مثل “الرحمن”، “النور”، أو “التقوى”، اقتداءً بالمساجد التي وردت أسماؤها في القرآن، كـ “مسجد قباء” و”المسجد الحرام” و”المسجد الأقصى”.
وهذا الرأي يهدف إلى غلق باب التفاخر والتمييز الطبقي، وتجنب أي شبهة في الرياء.
واقع اجتماعي يفرض نفسه
الواقع في كثير من البلدان الإسلامية يفرض نوعًا من التكريم للأشخاص الذين يسهمون في بناء المساجد، وقد يكون وضع الاسم على المسجد وسيلة لحث الآخرين على البذل والعطاء. لكن التحدي يكمن في ضبط النية وعدم المبالغة في الاحتفاء بالأسماء على حساب قدسية المكان.
وبناءا على ذلك:
تبقى تسمية المساجد بأسماء أشخاص أمرًا جائزًا بشرط صفاء النية وخلو الأمر من أي مظهر من مظاهر الرياء. ومع ذلك، فإن التسمية يجب ألا تطغى على روح المسجد كمكان مخصص للعبادة والخشوع والتجرد من زخرف الدنيا. فالعبرة في النهاية ليست في الاسم، وإنما في عمارة المسجد بالصلاة والذكر والعمل الصالح.