عاجل

إبراهيم عليه السلام .. أبو الأنبياء ورمز التوحيد في وجه الطغيان

إبراهيم عليه السلام
إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء

في سجل النبوة والتاريخ الديني، يسطع اسم النبي إبراهيم عليه السلام باعتباره أحد أولي العزم من الرسل، ورمزًا عالميًا للتوحيد، ونموذجًا خالدًا في الصبر والثبات على العقيدة. وتُعدّ قصته كما وردت في القرآن الكريم من أكثر القصص التي تجسّد الصراع بين التوحيد والشرك، وبين الإيمان المطلق بالله والضغوط المجتمعية والسياسية والدينية التي واجهها في حياته

رحلته الأولى مع التوحيد.. تساؤلات الفطرة ورفض الأصنام

بدأت رحلة إبراهيم مع التوحيد منذ صغره، حيث أعمل عقله في التفكير، ورفض عبادة الأصنام التي كان يعبدها قومه، وقال كما جاء في سورة الأنعام: “فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ”، لينتقل في تأملاته من الكوكب إلى القمر ثم إلى الشمس، حتى أعلن يقينه بالله الواحد الأحد، رافضًا كل ما سواه من مظاهر الشرك، وكانت هذه اللحظة مفصلية في حياته ونبوته

المواجهة مع الأب والملك.. صراع العقيدة والسُلطة

واجه إبراهيم تحديات صعبة حين دعا والده آزر إلى عبادة الله وترك الأصنام، ولكن الرد جاء قاسيًا، إذ قال له والده: “لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ”، ورغم ذلك رد إبراهيم بأدب ودعاء، كما خاض مواجهة أكبر مع قومه، حيث حطّم أصنامهم، وترك الفأس في يد أكبرها، وقال لهم: “فَاسْأَلُوهُ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ”، فبهت الذين كفروا. ولم يتوقف الأمر عند الغضب، بل تصاعد إلى قرار بإحراقه بالنار، ولكن المعجزة الإلهية وقعت، إذ قال الله للنار: “يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ”، فخرج منها سالمًا، في واحدة من أعظم مشاهد التحدي الإيماني في التاريخ

الهجرة من أرض الكفر وبناء أمة جديدة

لم يكن أمام إبراهيم بعد أن ضاقت به الأرض في قومه إلا الهجرة، فغادر إلى الأرض التي باركها الله، وبدأ هناك رحلته لبناء أمة موحِّدة، فوهبه الله إسماعيل من هاجر، وإسحاق من سارة، وكانت ذريته من بعده أنبياء، كما جعله الله قدوةً للعالمين، وقال عنه: “إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا”، وكان دعاؤه الدائم أن تكون ذريته من الصالحين، وقد تحقق ذلك، فكان من نسله موسى وعيسى ومحمد خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

الابتلاء العظيم.. أمر الذبح وتجلي الطاعة

بلغت ذروة الابتلاء حين رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، ومضى لينفذ أمر ربه دون تردد، وأخبر ابنه فقال: “يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ”، وحين استسلما لأمر الله، فداه الله بذِبْح عظيم، وأصبح هذا الموقف رمزًا للتضحية والطاعة المطلقة لله، وتخليدًا لهذه اللحظة، صار المسلمون يحيونها في كل عام خلال عيد الأضحى

بناء الكعبة ووضع اللبنة الأولى لبيت الله

من أعظم إنجازات إبراهيم عليه السلام كما ورد في القرآن، أنه رفع قواعد الكعبة مع ابنه إسماعيل، حيث قال تعالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ”، فكانت الكعبة أول بيت وضع للناس، ومهوى أفئدة المؤمنين، ومركز التوحيد، ودعا إبراهيم ربه أن يجعل هذا البلد آمنًا، وأن يبعث فيه رسولًا منهم، وقد استجاب الله دعاءه

إرث باقٍ إلى الأبد

رحل إبراهيم عليه السلام ولكن بقي اسمه في صدارة رسالات التوحيد، وتكرر ذكره في القرآن الكريم أكثر من 60 مرة، وسمّاه الله “أمةً” في رجل، حين قال: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً”، وجعل دينه ملةً خالدة، تُذكَر في كل صلاة بقول المسلمين: “اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم”، ليبقى الخليل حيًا في قلوب الموحدين إلى يوم الدين

تم نسخ الرابط