حفصة بنت عمر.. حارسة المصحف وزوجة النبي التي ورثت الحكمة من الفاروق

في سجل النساء اللواتي تركن بصمة خالدة في التاريخ الإسلامي، تتصدر حفصة بنت عمر بن الخطاب مكانة خاصة، فهي ابنة الفاروق عمر، ثاني الخلفاء الراشدين، وزوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وواحدة من أمهات المؤمنين، وتميزت بشخصية قوية وعقل واعٍ أهلها للقيام بدور محوري في حفظ القرآن الكريم وإرث النبوة
نشأتها في بيت الفاروق
وُلدت حفصة قبل بعثة النبي محمد بخمس سنوات في مكة، ونشأت في بيت والدها عمر بن الخطاب المعروف بصرامته وعدله، وقد تأثرت بشخصيته القوية وإيمانه العميق، فتكوّنت لديها شخصية تميل إلى الصلابة والجدية، وكان لبيئتها دور كبير في تشكيل عقلها وروحها، فتعلمت القراءة والكتابة في زمن كانت فيه الأمية شائعة بين النساء، وكانت تلك المعرفة لاحقًا سببًا في دورها الكبير في حفظ المصحف الشريف
زواجها من النبي ومكانتها في بيته
كانت حفصة متزوجة من الصحابي خُنيس بن حذافة السهمي، أحد المشاركين في بدر وأُحد، والذي تُوفي متأثرًا بجراحه، وبعد وفاته عرض عمر بن الخطاب ابنته على أبي بكر ثم على عثمان دون استجابة، حتى جاءه عرض من النبي محمد عليه الصلاة والسلام بالزواج من حفصة، فتم الزواج في السنة الثالثة للهجرة، وكان لزواجها من النبي أثر كبير في رفع شأنها، لكن وجودها في بيت النبوة لم يكن سهلًا، فقد عُرفت حفصة بالغيرة الشديدة، وكان بينها وبين زوجات النبي الأخرى، خصوصًا عائشة، مواقف تتسم بالمنافسة، إلا أن هذا لم يقلل من مكانتها ولا من حب النبي لها
جمع القرآن الكريم في مصحف واحد مكتوب
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أمر الخليفة أبو بكر بجمع القرآن الكريم في مصحف واحد مكتوب، وقد عهد بالمصحف بعد جمعه إلى حفصة لتكون حافظة له، وذلك لما عُرف عنها من أمانة وحرص ودقة، فبقي المصحف في بيتها حتى عهد عثمان بن عفان، الذي استعان به لجمع الأمة على نسخة واحدة من القرآن، وكان لذلك أثر كبير في توحيد النص القرآني وتثبيته بين المسلمين
الوفاة والإرث الروحي
توفيت حفصة في العام الخامس والأربعين للهجرة في المدينة المنورة، ودفنت في البقيع إلى جوار أمهات المؤمنين، وقد بقيت سيرتها حتى يومنا هذا مثالًا للمرأة المؤمنة القوية العاقلة، التي جمعت بين الحكمة والعلم، وبين القوة والعبادة، فاستحقت أن تبقى واحدة من رموز نساء الإسلام، ومن القلائل اللواتي حملن إرث النبوة في بيوتهن وقلوبهن