عمود الهُوية وحافظة القيم.. مفتي الجمهورية يحتفي بـ اليوم العالمي للغة العربية
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أنَّ اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، يمثل مناسبة حضارية عميقة الدلالة، تُستدعى فيها مكانة لغةٍ لم تكن يومًا مجرد أداة للتعبير فحسب، بل كانت وعاءً جامعًا للهُوية، وحاضنةً للفكر، وجسرًا ممتدًّا بين القِيَم الدينية والإنسانية، ومجالًا رحبًا لإنتاج المعرفة وصياغة الوعي، فالعربية بما تحمله من عمقٍ تاريخي واتساعٍ دلالي وقدرةٍ فريدة على استيعاب المعاني الدقيقة، أسهمت إسهامًا أصيلًا في بناء الحضارة الإنسانية، وكانت -ولا تزال- لغةً قادرة على مواكبة التحولات، وحمل الرسائل الكبرى للأمم، وفي مقدمتها رسالة الإسلام التي نزل بها القرآن الكريم بلسانٍ عربيٍّ مبين.
مشروع شامل لصَون العربية وتمكينها
ويشدد مفتي الجمهورية على أن التحديات التي تواجه اللغة العربية في العصر الراهن تستوجب وعيًا حضاريًّا يتجاوز المعالجات الشكلية إلى مشروع شامل لصَون العربية وتمكينها، بوصف ذلك جزءًا لا يتجزأ من حماية الهوية الثقافية وتعزيز الانتماء، ومواجهة محاولات التهميش والاختزال التي تمس الوعي الجمعي للأُمَّة، فالعناية بالعربية ليست ترفًا ثقافيًّا، بل مسؤولية معرفية وأخلاقية، تتطلب تطوير أدوات تعليمها، وتحديث طرائق استخدامها، وتوسيع حضورها الرصين في الفضاء الرقْمي والإعلامي، بما يحفظ أصالتها ويُفَعِّل قدرتها على الإسهام في إنتاج المعرفة المعاصرة.
ودعا المفتي إلى التمسك باللغة العربية وغرسها في نفوس النشء والشباب، فهي عمود الهوية وحافظة القيم، ومرآة الحضارة التي حملت تاريخ الأمة ومعارفها عبر القرون، فالتمسُّك بها وغرسها في نفوس الأبناء استثمار حضاري في الوعي، وحماية للهُوية من التلاشي، وتمكين للشباب من الانخراط في عصر المعرفة بثقةٍ ووعي، مع الحفاظ على جذورهم وثقافتهم، مؤكدًا أن الأمة التي تحافظ على لُغتها تحافظ على ذاتها وتؤسس لمستقبلٍ مستنير يربط بين أصالة الماضي ومتطلبات الحاضر.
اليوم العالمي للغة العربية
تُعدّ اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة. يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام.
وقد وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.
وقد أبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء. وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات.
ويزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة. وأتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.


