لأول مرة منذ احتجاجات 2019.. إيران ترفع أسعار الوقود
أقرت إيران، يوم السبت، مستوى جديدًا لأسعار الوقود المدعوم على الصعيد الوطني، في خطوة تهدف إلى الحد من التكاليف المتزايدة، وذلك للمرة الأولى منذ رفع الأسعار عام 2019، وهي الزيادة التي أشعلت آنذاك احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء البلاد، أعقبتها اشتباكات أسفرت، بحسب تقارير، عن مقتل أكثر من 300 شخص.
ويواجه النظام الإيراني حاليًا ضغوطًا اقتصادية متصاعدة، في ظل التراجع الحاد لقيمة العملة الوطنية (الريال) واستمرار العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالبرنامج النووي لطهران، ما قد أسهم ذلك في جعل البنزين، الذي يُعد من الأرخص عالميًا، أكثر تكلفة نسبيًا، ولو ببضعة سنتات فقط للغالون الواحد.
ومع ذلك، يرجح مراقبون أن الخطوة الحكومية الحذرة في رفع الأسعار جاءت لتفادي أي صدام مباشر مع الشارع الإيراني المنهك، لا سيما بعد الحرب التي شنتها إسرائيل واستمرت 12 يومًا ضد إيران في يونيو الماضي.

ويضيف نظام التسعير الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ السبت، شريحة ثالثة إلى منظومة دعم الوقود المعمول بها منذ سنوات، وبموجب الآلية المعدلة، يمكن لسائقي المركبات الحصول على 60 لترًا شهريًا بسعر مدعوم يبلغ 15 ألف ريال للتر أنحو 1.25 سنت أمريكي، فيما تسعر الـ100 لتر التالية بسعر 30 ألف ريال للتر أي حوالي 2.5 سنت.
أما أي استهلاك يتجاوز هذه الكمية، فيحتسب وفق السعر الجديد البالغ 50 ألف ريال للتر الواحد، أي ما يعادل نحو 4 سنتات، حيث كانت إيران قد بدأت العمل بنظام تقنين الوقود منذ عام 2007، إلا أن ذلك لم ينجح حتى الآن في تقليص الطلب على البنزين عالي الجودة.
رفع أسعار البنزين في إيران
ورغم الزيادة الأخيرة، لا تزال أسعار البنزين في إيران من بين الأدنى عالميًا، ويعد الفارق بين تكاليف الإنتاج والإمداد وأسعار البيع في محطات الوقود دعمًا تتحمله الحكومة الإيرانية.
ووفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس، تكبدت إيران ثاني أعلى تكاليف دعم للطاقة في العالم خلال عام 2022، بعد روسيا مباشرة.
وقدرت الوكالة قيمة دعم النفط الإيراني بنحو 52 مليار دولار في ذلك العام، في حين يعترف مسؤولون إيرانيون بأن مليارات الدولارات تنفق سنويًا للحفاظ على أسعار الطاقة عند مستويات منخفضة بشكل مصطنع.

وقال الخبير الاقتصادي المقيم في طهران، حسين رجفار، إن أسعار البنزين ارتفعت 15 ضعفًا منذ عام 2009، معتبرًا ذلك دليلًا على فشل سياسات الدعم. وأضاف: «لم تؤدِ هذه السياسات إلى خفض عجز الميزانية، بل دفعت الاقتصاد إلى دوامة من التضخم المتزايد وعجز الميزانية».
من جانبه، يرى حميد رضابور، وهو صراف في بنك يبلغ من العمر 35 عامًا، أن الحكومة لا تملك خيارًا آخر سوى رفع الأسعار من أجل إدارة الاقتصاد.
وأضاف أن الدولة بحاجة إلى موارد مالية إضافية لتلبية الاحتياجات العامة، مشيرُا إلى أن هذا أشبه بضريبة غير مباشرة، لكنها بالكاد تنجح في ظل اقتصاد مضطرب.
وتعد هذه الخطوة أبرز تعديل في نظام دعم الطاقة الإيراني منذ عام 2019، حين أدت زيادة مفاجئة بنسبة 50% في أسعار البنزين المدعوم، ورفع سعر الوقود خارج الحصص بنسبة 300%، إلى اندلاع احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء البلاد.
احتجاجات 2019 بسبب رفع أسعار الوقود
واشتبكت قوات الأمن الإيرانية مع المحتجين في أكثر من 100 مدينة وبلدة، وأقدم بعض المتظاهرين على إحراق محطات وقود وبنوك، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، قتل ما لا يقل عن 321 شخصًا خلال حملة القمع، فيما اعتُقل آلاف آخرون.
ويحذر منتقدون من أن رفع سعر البنزين بمقدار 10 آلاف ريال للتر الواحد قد يؤدي إلى زيادة معدل التضخم بنحو 5%. وتعاني إيران حاليًا من معدل تضخم سنوي يقارب 40%.
ورغم ذلك، يسهم الوقود الرخيص في خلق فرص عمل واسعة داخل البلاد. إذ تضم إيران نحو 25 مليون مركبة، بينها 3 ملايين مركبة عامة مدعومة من الحكومة، إضافة إلى نحو 6 ملايين دراجة نارية.
وتشير تقارير إلى أن أكثر من 8 ملايين إيراني يعملون كسائقي سيارات أجرة عبر تطبيقات الإنترنت، أي ما يعادل نحو 10% من السكان، مقارنة بـ8.8 ملايين سائق وساعي يعملون لدى شركة «أوبر» حول العالم.
وكان وزير النفط الإيراني، محسن باكنجاد، قد قال في تصريحات سابقة للصحفيين إن هذه الخطوة تمثل بداية لتصحيح مسار استهلاك الوقود.
وتوحي تصريحات المسؤولين بإمكانية المضي قدمًا في زيادات أخرى مستقبلًا، حيث تعتزم الحكومة مراجعة أسعار الوقود كل ثلاثة أشهر.



