«ومن الليل فتهجد به نافلة لك».. معناها وعجائب الآية 79 من الإسراء

يكثر البحث عن فضل قيام الليل، والمراد بقوله تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79)»، وفي السطور التالية نستعرض ما ذكره المفسرون بشأن الآية 79 من سورة الإسراء.
ما المقصود بـ«ومن الليل فتهجد به نافلة لك»؟
يقول ابن كثير في تفسيره قوله: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة، كما ورد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال:"صلاة الليل ". ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل، فإن التهجد: ما كان بعد نوم ؛ قاله علقمة، والأسود وإبراهيم النخعي، وغير واحد وهو المعروف في لغة العرب. وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتهجد بعد نومه، عن ابن عباس، وعائشة، وغير واحد من الصحابة، رضي الله عنهم، كما هو مبسوط في موضعه، ولله الحمد والمنة.
قال الحسن البصري: هو ما كان بعد العشاء. ويحمل على ما بعد النوم .
ما معنى نافلة لك؟
اختلف في معنى قوله : (نافلة لك) فقيل: معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك ، فجعلوا قيام الليل واجبا في حقه دون الأمة. رواه العوفي عن ابن عباس، وهو أحد قولي العلماء، وأحد قولي الشافعي، رحمه الله، واختاره ابن جرير .
وقيل: إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص؛ لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه ؛ قاله مجاهد ، وهو في المسند عن أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه .
ما المراد بقوله تعالى: «عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا»؟
قوله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) أي : افعل هذا الذي أمرتك به ، لنقيمك يوم القيامة مقاما يحسدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم ، تبارك وتعالى .
قال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل: ذلك هو المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم .
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال : يجمع الناس في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، حفاة عراة كما خلقوا قياما ، لا تكلم نفس إلا بإذنه ، ينادى: يا محمد، فيقول: " لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، وعبدك بين يديك ، وبك وإليك ، لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت " . فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله عز وجل .
قال ابن عباس : هذا المقام المحمود مقام الشفاعة. وكذا قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد . وقاله الحسن البصري.
قال قتادة : هو أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).