ذكرى ميلاد سيد حجاب... غزل كلماته من روح مصر وحكاياتها

في مثل هذا اليوم، 25 يناير 2017، توفي سيد حجاب، أحد أعمدة شعر العامية المصرية، الذي استطاع أن يحول قصائده إلى نبض حيّ تردد عبر شاشات التلفزيون وأثير الإذاعة.
بحسه الإبداعي وبراعته الفطرية، نجح حجاب في جعل أعماله الأدبية مرآة صادقة لحياة المصريين، ورغم رحيله، إلا أن بصماته الأدبية ما زالت حية.
النشأة والبدايات
وُلد سيد حجاب 23 سبتمبر عام 1940 في مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية، تلك المدينة الساحلية الصغيرة المطلة على ضفاف بحيرة المنزلة، والتي زرعت في وجدانه ارتباطًا عميقًا بالناس، وبساطتهم، وأحلامهم.
كان والده بمثابة المعلم الأول، إذ كان شاعرًا بدوره، ولكنه من نوع آخر؛ شاعر مصاطب الريف، يلقي أشعاره وسط الصيادين والمزارعين، فحظي سيد ببيئة مشبعة بالكلمة والأدب.
طفلًا صغيرًا، جلس سيد حجاب متأثرًا بوالده ومقلدًا له، يراقب الصيادين وهم يلقون قصائدهم في جلساتهم المسائية، وفي إحدى الليالي، كتب أولى محاولاته الشعرية وأهداها إلى الشهيد نبيل منصور، فأطلعها على والده، ليجد منه تشجيعًا كبيرًا ودفعًا لمواصلة طريقه مع الشعر.
المعلمون الأوائل
إلى جانب والده، تأثر سيد حجاب بمعلمه في المدرسة، شحاتة سليم نصر، الذي شجعه على استغلال موهبته لصياغة أحاسيس الناس ومعاناتهم من حوله، وهذا التشجيع جعله يطور لغته الفنية لتخرج عن الإطار الشخصي إلى التعبير عن هموم العامة وقضاياهم.
التعليم وتنوع التجارب
رغم شغفه بالشعر، كانت خطواته الدراسية بعيدة ظاهريًا عن الفن حيث التحق حجاب بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية عام 1956، ودرس قسم العمارة لكنه في عام 1958 قرر الانتقال إلى جامعة القاهرة لدراسة هندسة التعدين، وخلال هذه الفترة، لم يكن سيد مجرد طالب؛ بل كان عاشقًا للشعر والثقافة، وجمع بين دراسته الأكاديمية ومساعيه الأدبية.
من ديوان الشعر إلى إذاعات الجماهير
انطلقت رحلة سيد حجاب إلى عالم الأدب بإصدار أول ديوان شعري له، بعنوان "صياد وجنية"، وهو انعكاس لبيئته الساحلية المليئة بالأساطير والحكايات.
لاحقًا، أصبح صوت سيد حجاب معروفًا للجمهور من خلال البرامج الإذاعية مثل "بعد التحية والسلام"، "عمار يا مصر"، و"أوركسترا". هذه البرامج لم تكن مجرد منصة لإلقاء الأشعار، بل جسّدت التواصل الحي مع الناس وشاركتهم أحلامهم وهمومهم.
لم يكن حجاب وحده في هذه البرامج؛ فقد شاركه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي في تقديم برنامج "بعد التحية والسلام"، حيث قدّما الشعر بالتناوب. لكن سرعان ما أخذ كل منهما طريقه الخاص.
علامات مضيئة في مشواره
تميّزت أعمال سيد حجاب بكونها مرآة للوجدان المصري، من أبرزها قصائد وأغنيات ارتبطت بتترات الدراما، والتي تحولت إلى جزء من الذاكرة الجمعية للمصريين، كتب "ليالي الحلمية"، "المال والبنون"، "بوابة الحلواني"، و"أرابيسك"، كما قدم العديد من القصائد التي توثق أحداثًا مؤثرة مثل "الطوفان"، و"سلوا قلبي"، و"زي الهوا".
تميّز سيد حجاب بحس إبداعي ساهم في تشكيل هوية الفن الشعبي المعاصر، جعلت قصائده من كلمات تترات المسلسلات رموزًا أثرت في أجيال متعددة، تعامله مع أعلام الموسيقى كعمار الشريعي أثمر أعمالًا شديدة العمق والعذوبة، تخلد في الأذهان لحظات تلفزيونية فارقة.
رحيل ملهم.. وبقاء الحكاية
في 25 يناير 2017، رحل سيد حجاب عن عالمنا، لكن أشعاره بقيت خالدة، هو لم يكتب فقط كلمات لتُقرأ أو تُسمع؛ بل صنع بموهبته عالمًا خاصًا يمس وجدان الجميع، ويبقى اسمه حاضرًا في كل مكان تردد فيه أغنياته أو كلماته.