عاجل

"جو" حدوتة مصرية .. جولة في حياة يوسف شاهين في ذكرى ميلاده

يوسف شاهين
يوسف شاهين

على مدار مسيرته السينمائية، ظل يوسف شاهين حالة خاصة في عالم الإبداع الفني، من الإسكندرية حيث وُلد ونشأ، إلى العالمية التي رسخ فيها اسمه كواحد من أبرز مخرجي السينما في التاريخ، لم تكن رحلته مجرد مشوار مهني، بل قصة عشق دائم للكاميرا والشاشة الفضية.

يوسف شاهين، أو "جو" كما كان يلقبه محبوه، استطاع أن يترك بصمته في قلوب المشاهدين من خلال أفلام تحمل أبعادًا إنسانية وفنية غير مسبوقة.

البدايات والتعليم: شغف بلا حدود


وُلد يوسف جبرائيل شاهين في 25 يناير عام 1926 بالإسكندرية، المدينة التي شكلت جزءًا محوريًا في حياته وأعماله، منذ الصغر أبدى اهتمامًا بالفن، وسرعان ما قرر أن يأخذ شغفه نحو العالمية بدراسة المسرح والسينما في معهد باسادينا المسرحي بالولايات المتحدة، وعقب عودته إلى مصر، بدأ أولى خطواته نحو تحقيق حلمه، حيث قدم فيلمه الأول "بابا أمين" عام 1950 بمساعدة المصور السينمائي ألڤيزي أورفانيللي، لتبدأ رحلته في صياغة لغة سينمائية خاصة به.

الإسكندرية.. مصدر الإلهام الدائم


ظلت الإسكندرية مصدر إلهام لا ينضب لشاهين، وعادت لتظهر مرارًا في أعماله، وأبرزها سلسلة أفلامه الشهيرة التي وثقت مراحل مختلفة من حياته ورؤيته للسينما: "إسكندرية... ليه؟"، "حدوتة مصرية"، "إسكندرية كمان وكمان"، و"إسكندرية - نيويورك".

خلال أحد لقاءاته، وصف شاهين علاقته بمدينته قائلاً: "الإسكندرية ليست مكانًا فقط، بل هي حالة من الإلهام الدائم، فيها نشأت، ومنها أخذت أولى تكويناتي الثقافية والفنية".

سينما تنبض بالرسائل


قدم يوسف شاهين خلال مسيرته 37 فيلمًا طويلًا، أغلبها عالج قضايا اجتماعية وثقافية معقدة، وفي أفلامه، كان يسلط الضوء على الإنسان وحياته، وكان يرى السينما أداة لطرح أسئلة أكثر منها وسيلة لتقديم الإجابات. يقول شاهين: "لا أقدم أعمالاً خفيفة لتمضية الوقت؛ أفضّل أن يشاهد الناس شيئًا يحمل معنى". من هذه الرؤية جاء اهتمامه بدمج الموسيقى والغناء في أعماله، حيث تعاون مع مطربين كبار مثل ماجدة الرومي، محمد منير، وشادية.

وجهة نظر خاصة تجاه النقد


لطالما أثيرت أقاويل حول علاقة شاهين بالنقاد، خاصة عندما اعتبر البعض أنه يهاجمهم، لكنه أكد مرارًا في مقابلاته أنه يحترم النقد البناء الذي يرتكز على تحليل السينما وليس على المخرج نفسه. 

اكتشاف المواهب ودعم الوجوه الجديدة


كان يوسف شاهين يؤمن بأهمية تجديد الدماء في السينما، لذلك لعب دورًا محوريًا في اكتشاف مواهب أصبحت نجومًا لامعة اليوم، مثل محمد منير، خالد النبوي، حنان ترك، روبي، هاني سلامة، عمرو عبد الجليل، حيث اعتبر تقديم الوجوه الجديدة جزءًا من مسؤوليته تجاه مستقبل السينما.

إنجازات محلية وعالمية


حاز شاهين على العديد من الجوائز الدولية، أبرزها جائزة الإنجاز العام في مهرجان كان السينمائي، إلى جانب تكريمات عن أفلامه، ومنها فيلم "الآخر" الذي نال جائزة "فرنسوا كاليه" بمهرجان كان. بالنسبة له، لم تكن الجوائز غاية، حيث صرح ذات مرة: "ما يهمني هو العمل نفسه وليس ما يأتي بعده".

الرحيل وترك الإرث


في يونيو 2008، دخل يوسف شاهين المستشفى إثر نزيف في المخ، ولم يقاوم طويلًا، ليرحل في 27 يوليو من العام ذاته عن عمر يناهز 82 عامًا، رغم غيابه، ظل إرثه الفني حاضرًا، يُدرَّس وتتناقله الأجيال كدليل على عبقرية مخرج عاش ليروي قصص البشر وأحلامهم.

يوسف شاهين لم يكن مجرد مخرج، بل كان صوتًا مختلفًا للسينما، استطاع أن يخلّد اسمه من خلال أعمال لا يزال صداها يتردد حتى اليوم، مؤكدًا أن السينما ليست فقط صناعة، بل فنّ يحمل نبض الحياة وصدق المشاعر.

 

تم نسخ الرابط