معضلة العزلة الاقتصادية في سوريا.. ضرورة المشاركة الأميركية

مع دخول سوريا مرحلة جديدة في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، يواجه المجتمع الدولي خيارا محوريا: مواصلة العزلة الاقتصادية أو تبني المشاركة لدعم السوريين.
كانت رؤية المعتقلين السياسيين السابقين وهم يخرجون من سجون سوريا لحظة من الأمل والحزن، مما سلط الضوء على الحاجة إلى العمل التي طال انتظارها.
مع ذلك، وفقا لتحليل فورين بوليسي، فبدون مشاركة أميركية حاسمة، تخاطر سوريا بمزيد من عدم الاستقرار، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية المروعة بالفعل.
مصائد العزلة والحاجة إلى التغيير
لسنوات، أدت المخاوف بشأن قبضة الأسد الاستبدادية والفساد والتدخل إلى خنق الاستثمار والمساعدات الأجنبية. وفي حين أن إزاحته تقدم فرصة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي، فإن السياسات الأميركية لم تتكيف بعد.

الإصرار على ربط المشاركة مع سوريا بالاعتراف السياسي بهيئة تحرير الشام، وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة، يحد من نطاق الدعم المحتمل.
إن العزلة الاقتصادية تعاقب السوريين العاديين الذين لم يكن لهم دور في قرارات الأنظمة السابقة. واليوم، يعيش 90% من السكان في فقر، مع لجوء الملايين إلى تكتيكات البقاء المتطرفة - حيث يتم سحب الأطفال من المدارس للعمل، وتزايد زواج الأطفال، وبيع الأصول الأساسية.
إن الوضع الراهن لا يؤدي إلا إلى تعميق هذه المعاناة وتعزيز الظروف الناضجة لتجدد الصراع.
المساعدات الإنسانية: ضمادة لجرح عميق
على الرغم من الحاجة الملحة لسوريا للدعم، إلا أن المساعدات الإنسانية في العام الماضي لم تصل إلا إلى ثلث التمويل المطلوب - وهو أدنى مستوى في عقد من الزمان.
في حين أن المساعدات الطارئة حاسمة، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل استراتيجية اقتصادية طويلة الأجل. لقد كلفت الحرب سوريا 85% من ناتجها المحلي الإجمالي، مما أعاد البلاد إلى الوراء 35 عامًا في التنمية.
بدون التدخل، فإن العودة المبكرة للاجئين إلى المنازل المدمرة والبنية الأساسية غير الكافية قد تؤدي إلى تجدد النزوح والتوتر والعنف.
إن المشاركة الاستراتيجية للولايات المتحدة ضرورية لمنع سوريا من الانزلاق إلى فوضى أعمق. إن خطر الفراغ الأمني، وعودة ظهور الجماعات المتطرفة مثل داعش، وعدم الاستقرار المطول يجعل التقاعس خيارًا خطيرًا. يجب على الولايات المتحدة أن تتحول من فرض العقوبات السلبية إلى المشاركة الاقتصادية الاستباقية.
ثلاث خطوات رئيسية للسياسة الأمريكية في سوريا
1. تخفيف العقوبات والوضوح القانوني
إن التغييرات الأخيرة في التراخيص التي أجرتها إدارة بايدن، والتي تسمح بمعاملات محدودة مع الحكومة الانتقالية السورية، تمثل خطوة إلى الأمام ولكنها تظل غير كافية. إن القيود المفروضة على الأنشطة التجارية والاستثمار والمؤسسات المالية تعيق التعافي الاقتصادي الهادف.
علاوة على ذلك، فإن الغموض القانوني المحيط بتصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية يفرض مخاطر إضافية. إن توسيع تخفيف العقوبات وإعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام من شأنه أن يمكن الوظائف الاقتصادية الحيوية مع ضمان استهداف التدابير العقابية للأفراد وليس الأمة بأكملها.
2. استعادة برامج البنك الدولي للخدمات الأساسية
لقد أدى تعليق برامج البنك الدولي في سوريا إلى شل الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والصرف الصحي. إن الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر مساهم في البنك الدولي، ينبغي لها أن تدفع باتجاه حزمة إغاثة عاجلة تتناسب مع احتياجات سوريا.
فقد تم تنفيذ تمويل العمال الأساسيين ــ الأطباء والمعلمين وموظفي الخدمة العامة ــ بنجاح في مناطق الصراع مثل اليمن وأفغانستان. ومع افتقار أكثر من نصف المحافظات السورية إلى عدد كاف من العاملين في مجال الرعاية الصحية، فإن إحياء الخدمات الأساسية ليس مجرد ضرورة استراتيجية بل ضرورة أخلاقية.
3. إعادة دمج المؤسسات المالية السورية
إن النظام المالي الوظيفي أمر حيوي للتعافي بعد الحرب. وفي غياب القدرة على الوصول إلى الشبكات المالية العالمية، سوف تظل جهود التنمية متعثرة. وينبغي للولايات المتحدة أن تعمل مع المؤسسات المالية الدولية لتحديد الإصلاحات الضرورية، وضمان عمل البنوك السورية بشفافية وخالية من النفوذ السياسي.
ومن الممكن أن يمهد تحديد معايير السياسات ــ مثل تدابير مكافحة الفساد والإشراف المالي المستقل ــ الطريق أمام المساعدات الفنية الدولية، كما حدث في أفغانستان.

بناء الثقة للحكومة السورية المستقبلية
إن هذه الخطوات الاقتصادية تعمل كتدابير لبناء الثقة قبل المناقشات الأكثر تعقيدا بشأن المستقبل السياسي لسوريا.
إذا تم تحقيق تقدم، فيتعين على الولايات المتحدة أن تدعو إلى عقد اجتماع وزاري بشأن سوريا خلال اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان لحشد الدعم العالمي.
ورغم أن سوريا قد لا تكون في حالة حرب نشطة، فإن الأزمة بعيدة كل البعد عن الانتهاء. وفي عالم يواجه بالفعل حرائق جيوسياسية متعددة، فإن التخلي عن سوريا في حالة من عدم الاستقرار الدائم سيكون خطأً مكلفاً. والآن هو الوقت المناسب للتحرك الأميركي.