رموزسلامية | عبد الله بن جعفر الطيارابن عم رسول الله وأول مولود في الحبشة
يعد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي واحدًا من أعلام الصحابة رضي الله عنهم، جمع بين شرف النَّسَب وقربه من بيت النبوة، وبين الخلق الرفيع والسخاء الذي ضرب به المثل حتى لُقِّب بـ "بحر الجود" و" بحر السخاء "
نسب يتصل ببيت النبوة
هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، ابن جعفر الطيار الشهيد في مؤتة، ابن عمّ رسول الله ﷺ وأخ الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمه الصحابية الجليلة أسماء بنت عُميس. وبذلك يجتمع لعبد الله شرف النسب من جهة الأب والأم، فهو ابن ابن عمّ النبي ﷺ، وصهرُ الإمام علي، وزوجُ السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهم أجمعين
مولده في أرض الهجرة
وُلد عبد الله في أرض الحبشة (الحبشة/مملكة أكسوم آنذاك) بعد هجرة والديه مع أوائل المسلمين إلى النجاشي طلبًا للأمان من أذى قريش. وتشير المصادر إلى أنه كان أول مولود للمسلمين في الحبشة؛ حتى إن النجاشي لما بُشِّر بمولده سأل عن اسمه، فلما قيل له "عبد الله" سمَّى ابنه على اسمه
عاد عبد الله بن جعفر مع أبيه وأمه إلى المدينة بعد فتح خيبر، فنشأ في كنف بيت النبوة، وشهد نهاية العهد النبوي صغيرًا، ثم عاش بعد ذلك في مدرسة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
في كنف النبي ﷺ
ارتبطت سيرة عبد الله بن جعفر بعدد من المواقف مع رسول الله ﷺ، فكان النبي يُكرمه ويدعو له بالبركة في تجارته ورزقه. وتذكر روايات السيرة أن النبي ﷺ مسح على رأسه ودعا له قائلًا – في ما رُوي – بمثل: أن يبارك الله له في صفقته، فاشتهر بعد ذلك بالتوفيق في التجارة وسَعة اليد، مقرونةً بسخاء لا ينقطع.
زوج السيدة زينب وحامل إرث آل البيت
ارتبط عبد الله بن جعفر بآل بيت النبوة مصاهرةً حين تزوَّج من السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، حفيدة رسول الله ﷺ، وأنجب منها عددًا من الأبناء، من أشهرهم: عون ومحمد اللذان استُشهدا مع خالهما الإمام الحسين في كربلاء، فكان عبد الله راضيًا صابرًا محتسبًا، يفاخر بأن ابنيه نالا شرف الشهادة مع سبط رسول الله ﷺ
وتذكر بعض المصادر أنه كان يقول في معنى ذلك: إن الله شرَّف ابنيَّ بصحبة الحسين عليه السلام والشهادة بين يديه، ولو شهدتُ الموقف لوددت أن أُقتل معه أيضًا، في تعبيرٍ واضح عن عمق ولائه لأهل البيت ومحبته لهم.
بحر الجود.. سخيّ المدينة
عُرف عبد الله بن جعفر في المدينة بلقب "بحر الجود" لكثرة عطائه وإنفاقه على الفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل. وتنقل كتب التراجم عشرات القصص عن سخائه، من بينها أنه كان لا يُرَدُّ سائلاً، وأنه ربما أعطى في المجلس الواحد عطايا تُدهِش من حوله، حتى صار مضرب المثل في الكرم، يُقال: "أجود الناس ثلاثة: عبد الله بن جعفر، و..." على سبيل المبالغة في وصف كرمه.
وتورد المصادر أنه كان من كبار أثرياء المدينة، غير أن ثروته كانت مقرونة بالمسؤولية الاجتماعية والإنسانية؛ يُنفق على الأقارب، ويُعين الضعفاء، ويُكرم الضيوف، ويصل به العطاء إلى من أساء إليه؛ ابتغاء مرضاة الله تعالى وتقربًا إليه سبحانه.
في ميادين السياسة والولاء لأهل البيت
بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ظل عبد الله بن جعفر وفيًّا لأهل البيت، محبًّا للحسن والحسين، مشاركًا في الشأن العام بما يملك من رأيٍ ومكانة اجتماعية. وتُشير بعض الروايات إلى أنه كان صاحب مشورة في بعض القضايا العامة في عهد الإمام علي رضي الله عنه، وأنه كان حاضرًا في أجواء الفتن والصراعات التي شهدها التاريخ الإسلامي بعد ذلك، لكنه ظل حريصًا على وحدة المسلمين، متمسكًا بمبدأ النصيحة والولاء لآل البيت في الوقت نفسه
ورغم أنه لم يشهد واقعة كربلاء بنفسه، فإن مواقفه قبلها وبعدها عبَّرت عن حزنٍ عميق على ما أصاب الحسين وأهل بيته، وعن اعتزازه بأن أبناءه كانوا ضمن قافلة الشهداء في تلك الفاجعة.



