القضاء والقدر: ما المقصود بحديث حجاج آدم وموسى: «خيبتنا وأخرجتنا من الجنة»؟
يحتج البعض في القضاء والقدر بـ حديث آدم وموسى عليهما السلام وقول موسى لآدم: «خيبتنا وأخرجتنا من الجنة»، ورد آدم عليه السلام: «أتلومني على أمر قدره الله عَلَيَّ» بأن الإنسان مجبر على أفعاله فما المقصود بحديث حجاج آدم وموسى عليهما السلام؟
حديث حجاج آدم وموسى
حديث حجاج آدم وموسى (عليهما السلام)، وغلبة آدم لموسى (عليهما السلام)، قال (صلى الله عليه وسلم): (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى (عليهما السلام)، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟). فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) (متفق عليه)، فالبعض يحتج على وقوعه في الذنب والمعصية بقول آدم (عليه السلام): (أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟).
يقول الدكتور مسعد أحمد سعد الشايب عضو الأمانة العلمية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزاة الأوقاف، إن هذا احتجاج خاطئ بما لا يجوز، وعدم فهمٍ لقول آدم (عليه السلام)، فالمراد بقول آدم (عليه السلام): الإخبار عن تقدم علم الله (سبحانه وتعالى) بما يكون من أفعال العباد وكسبهم، وصدور أفعالهم عن تقدير منه (سبحانه وتعالى) بعد علمه لها، وخلقه (سبحانه وتعالى) لخيرها وشرها، فمباشرتنا وكسبنا لتلك الأمور، وملابستنا إياها عن قصد وتعمد وتقدم إرادة واختيار، تلزمنا بها الحجة، وتلحقنا بها اللائمة، فالله (عزّ وجلّ) هو الخالق والعبد هو الكاسب، بمعنى أنه متسبب بعزمه في أن يخلق الله الفعل ويجريه على يديه، وجوارحه.
وتابع: علم الله (عزّ وجلّ) أزلًا، وتقديره، وإعطائه المكنة للعباد، مع كسب العباد، أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس والآخر بمنزلة البناء فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه، ومن فصل بينهما لم يفهم معنى القضاء والقدر، ومعني قول آدم (عليه السلام): (أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟).
كيف لي أن أرد علم الله، وأن أبطله بأنني سأخرج من الجنة، فآدم يحتج بالقدر على المصيبة (الإخراج) وليس الخطيئة (الأكل من الشجرة)، فإن القدر يُحتج به عند المصائب، لا عند المعايب، وهذا صحيح.
وأضاف: فالحق تبارك وتعالى أخبر قبل خلق آدم (عليه السلام)، أنه خلقه لسكنى الأرض وليس الجنة، وكان الأكل من الشجرة سببًا لنزوله إلى الأرض التي خُلق لها، وللسكنى فيها خليفة وواليًا على مَنْ فيها، ومحاجة موسى لآدم (عليهما السلام) كانت لأجل الإخراج من الجنة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة:30].
وشدد: بذلك غلب آدم موسى (عليهما السلام) في الحجة؛ لتعلقه بالسبب الأقوى والأرجح، فهو بمنزلة الأصل والأساس في الإخراج، وإن كان قول موسى (عليه السلام) صحيحًا لاحتجاجه بالسبب الذي جعل أمارة للخروج من الجنة، فالغلبة في الحجة قد تقع مع المعارضة بالترجيح كما تقع بالبرهان الذي لا معارض له.
ومن العلماء من يقول: إن هذا مخصوص بآدم (عليه السلام)؛ لأن الله (عزّ وجلّ) قد تاب عليه، وغفر له ذنبه، ولا يجوز لأحد أن يقول لمن لامه على ارتكاب معصية، كما لو قتل أو زنى أو سرق: هذا سبق في علم الله وقدره علي قبل أن يخلقني، فليس لك أن تلومني عليه، فإن الأمة أجمعت على جواز لوم مَنْ وقع منه ذلك، بل على استحباب ذلك، كما أجمعوا على استحباب محمدة من واظب على الطاعة.
3 أوجه لغلبة آدم لموسى في الحجة
وفي بيان: هل هناك أوجه أخرى لغلبة آدم لموسى (عليهما السلام) وحجاجه له، في قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)؟، قال: نعم، هناك وجوهٌ أخرى متعددة، كالتالي:
* أن الله (عزّ وجلّ) قد غفر لآدم خطيئته، وتاب عليه، فلم يكن لموسى (عليه السلام) أن يلومه عليها بعد أن غفرها الله (عزّ وجلّ) له، قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:37]، إذ ليس لأحد أن يعير أحدًا بذنب كان منه لأن الخلق كلهم تحت العبودية أكفاء سواء.
* أن آدم (عليه السلام) ذكّر موسى (عليه السلام) ما قد عرفه ووقف عليه في التوراة، من توبة الحق تبارك وتعالى عليه من خطيئته وإسقاطه اللوم عليها؛ فوجب عليه ترك لومه وعتابه على ما كان منه؛ ولذا في رواية: (كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ) (رواها مسلم).
* أن اللوم والتوبيخ وغيرها جائزٌ لو كان الملام على وجه الأرض حيًا، فحينها يكون في لومه وتوبيخه زجرٌ له ولغيره عن مثل هذا الفعل، أما إذا كان قد مات كأبينا آدم (عليه السلام)؛ فلا حاجة للوم والتوبيخ؛ لأنه حينئذ لا ينفع.



