دولة التلاوة|"الأعلى للشؤون الإسلامية" يحيي ذكرى صوت الجبل "ابو الوفا الصعيدي"
في مثل هذا اليوم التاسع عشر من نوفمير ولد القارئ الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي عام 1954 في قرية كلح الجبل بمحافظة أسوان، تلك البيئة الجنوبية التي شكّلت وجدانه المبكر، وأمدته بخصوصية نبرته وروح صوته.
وعلى خلاف ما جرت عليه العادة، كانت والدته هي أول من أخذه بيده إلى عالَم الحفظ، فلقّنته آيات الذكر الحكيم وأيقظت فيه موهبة التلاوة, ولم يلبث أن أتمّ حفظ القرآن الكريم على أيدي شيوخ قريته، فظهرت عليه علامات النبوغ الصوتي والدقة في الأداء.
صوت الجبل
ويستحضر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سيرة القارئ الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي،من أبرز أعلام دولة التلاوة المصرية، الذي غدا بصوته الفريد رمزا راسخا في ذاكرة عشّاق القرآن، حتى لقّب بـ «صوت الجبل» لما حباه الله من قوة جرس وعمق أداء وصدق إحساس.
رحلة إلى الأزهر
لم يكتف الشيخ الصعيدي بموهبته الفطرية، فشدّ الرحال إلى القاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، وهناك تلقّى علوم التجويد والقراءات على أيدي كبار العلماء. وفي أروقة الأزهر، اكتملت ملامح شخصيته القرآنية: أداء متمكّن، نفس طويل، وإحساس يخرج بالآية القرآنية من حدود التلاوة إلى آفاق التدبّر.
من الشريط الأول إلى أثير الإذاعة
عام 1983 أصدر الشيخ أول شريط كاسيت، لتبدأ رحلة انتشاره بين المستمعين، قبل أن ينضم إلى الإذاعة المصرية عام 1994 بعد اجتياز اختبارات لجنة القراءات. وفي العام التالي، صدح صوته للمرة الأولى عبر الأثير من مسجد السيدة زينب بالقاهرة، فكان ذلك إيذانًا بظهور واحد من أبرز أصوات التلاوة المصرية في نهاية القرن العشرين.
سفير التلاوة المصرية
لم يلبث صوت الشيخ أن تجاوز حدود الوطن، فجاب عشرات الدول لإحياء الليالي القرآنية في آسيا وإفريقيا وأوروبا، مقدّمًا نموذجًا فريدًا لمدرسة التلاوة المصرية. ولقد حمل معه في كل محفل رائحة الجنوب وحنين الصعيد وعمق المدرسة المصرية التي امتزجت فيها قوة الأداء وخشوع القلب.
كان المستمعون يجدون في صوته ما يشبه التضاريس: صعودًا وهبوطًا، وقممًا ووديانًا، لذلك التصق به لقب «صوت الجبل» باعتباره الصوت الذي يهبط على القلوب بالسكينة كما تهب الريح الهادئة على القمم العالية.
مدرسة تمتد
وعلى خطاه سار أبناؤه، وفي مقدمتهم القارئ فضيلة الشيخ أحمد أبو الوفا الصعيدي، الذي واصل نشر تراث والده، محافظًا على تقاليد الأداء وخصوصية المدرسة التي أسسها الشيخ الراحل.
رحيل جس وبقاء صوت
في 19 نوفمبر 2018، وبعد ليلة قرآنية أحياها في مسقط رأسه بأسوان، أسلم الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي روحه عن عمر ناهز 64 عامًا. غير أنّ رحيله لم يطوِ صوته، إذ بقيت تسجيلاته وتلاواته محفورة في ذاكرة المستمعين، تفتح للقلوب أبوابًا من النور والسكينة، وتذكّر الأجيال بأن أصوات القرآن قد تُغيبها الأيام، لكنها لا تنطفئ ما دامت تهدي الأرواح وتنعش القلوب.
وهكذا يظل الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي واحدًا من أعمدة دولة التلاوة المصرية، وصوتًا يروي قصة الإخلاص والموهبة، ويرسّخ مكانة مصر في تاريخ التلاوة القرآنية.



