مصطفى زايد لـ"نيوز رووم": التصوف ليس مذهبا بل روح الإسلام في تزكية النفس
أكد الباحث الصوفي مصطفى زايد أن التصوف في أصله لم يكن مذهبًا فلسفيا أو طائفة منفصلة عن الإسلام ، بل هو روح الدين الإسلامي في جانب التزكية والإحسان كما نطق بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» [الشمس: 9–10].
التزام ظاهر بالشريعة وباطن بالإخلاص
وقال “زايد” في تصريح خاص لنيوز رووم :إن الأئمة والمحققين أجمعوا على أن التصوف الصحيح هو التزام ظاهر بالشريعة وباطن بالإخلاص لا يخرج عن القرآن والسنة في شيء. وقال الجنيد البغدادي (ت 297 هـ): «التصوف استعمال كل خلق سني وترك كل خلق دني»، وقال أيضًا: «علمنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يُقتدى به في هذا الأمر» (رسالة القشيري ص 42؛ طبقات الصوفية للسلمي ص 35).
تقوى الله في القول والعمل
وجاء في كلام أبي القاسم القشيري (ت 465 هـ): «إن قومًا من هذه الأمة عرفوا الله حق معرفته واتقوه حق تقاته فأخلصوا الأعمال بالصدق فسموا صوفية» (رسالة القشيري ص 7). أما ذو النون المصري (ت 245 هـ) فقد قال: «الصوفية هم الذين آثروا الله على كل شيء وآثرهم الله على كل شيء» (حلية الأولياء ج9 ص 349).
وأضاف زايد أن هذا المفهوم لم يكن غريبا عن علماء الأمة من غير الصوفية، فقد أقروا أن التصوف الشرعي هو الجانب العملي للتزكية التي أمر الله بها. يقول الإمام أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ): «علمت يقينًا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق» (المنقذ من الضلال ص 133). وبيّن في إحياء علوم الدين أن علوم القلوب مكملة لعلوم الفقه، وأنهما جناحان لطائر واحد لا يستغني أحدهما عن الآخر.
الزهد والعبادة والورع
وأشار إلى أن الإمام ابن تيمية (ت 728 هـ) الذي اشتهر بغيرته على العقيدة، أثنى على الصوفية الأوائل فقال: «شعار أولياء الله من هذه الأمة الصوفية، وكان سلف الأمة وأكابرها لا يعدون عن طريق الزهد والعبادة والورع» (مجموع الفتاوى ج11 ص16).
وأضاف: «أما المستقيمون من السالكين كأكثر مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم والجنيد وعبد القادر الجيلاني فهم لا يخرجون عن الكتاب والسنة» (مجموع الفتاوى ج11 ص18).
وتابع زايد موضحا أن تلميذه الإمام ابن القيم (ت 751 هـ) سار على النهج نفسه حين قال في مدارج السالكين وهو يشرح كتاب منازل السائرين: «وهذه الطائفة قامت بعبودية الله ومراقبته ورياضة النفوس ومجاهدتها وأخلصت له الأعمال فصحت لها مقامات الإحسان» (مدارج السالكين ج1 ص105).
تزكية النفوس
أما الإمام السيوطي (ت 911 هـ) فقد قال في كتابه الحاوي للفتاوى: «إن التصوف في نفسه علم شريف مقصده تزكية النفوس، وأكثر من طعن فيه إنما طعن في منتسبيه لا في نفس العلم» (الحاوي للفتاوى ج2 ص255). بل خصص رسالة سماها تأييد الحقيقة العليّة دفاعًا عن التصوف الصحيح، وأخرى بعنوان تنبئة الغبي بتبرئة ابن عربي لبيان سوء الفهم حول بعض أعلامه.
ويروى عن الإمام الشافعي (ت 204 هـ) أنه قال: «كنت أدخل على الصوفية فأستفيد منهم ثلاث كلمات: الوقت كالسيف فإن لم تقطعه قطعك، ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والعبودية أصل في الخشوع» (تلبيس إبليس ص158؛ شرف أصحاب الحديث ص47).
وأوضح الباحث الصوفي أن المخطوطات والكتب المعتمدة تؤكد أن التصوف كان علما راسخا له جذور في الفقه والسلوك لا ينفصل عن الشريعة, ففي كتاب قوت القلوب في معاملة المحبوب لأبي طالب المكي (ت 386 هـ) يظهر التلازم بين العمل القلبي والالتزام الفقهي، وهو الكتاب الذي اعتمد عليه الغزالي في الإحياء (قوت القلوب ج1 ص12). أما الرسالة القشيرية فكانت مرجعًا علميًا يوثق مصطلحات التصوف وأعلامه بالاستدلال من الكتاب والسنة (الرسالة القشيرية ص3–5).
وفي مخطوطة تعريف أهل التصديق لأبي سعيد الخراز (ت 277 هـ) المحفوظة بدار الكتب المصرية، نجد إشارات دقيقة لمقامات الإحسان كما فصّلها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل. كما ألّف الشيخ أبو النجيب السهروردي (ت 563 هـ) كتاب آداب المريدين في تربية النفس والالتزام بآداب الشريعة، وكان من أهم المراجع التربوية للطرق الصوفية الأولى.
وأكد “ زايد” أنه من خلال هذا العرض يتضح أن التصوف في جوهره ليس بدعة ولا غلوًا، بل هو الوجه العملي لقوله تعالى: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها»، وأنه طريق إحسان وسلوك وتربية لا يخرج عن الكتاب والسنة، وإنما دخله الخلل عندما ابتعد بعض المنتسبين إليه عن أصوله النقية. وقد أنكر أئمة التصوف أنفسهم ما دخل فيه من بدع وخرافات، كما فعل الإمام القشيري في رسالته حين اشتكى من أدعياء التصوف الذين شوّهوا صورته.
وأكد الباحث الصوفي مصطفى زايد أن القول بأن التصوف بمعناه الأصيل تزكية النفس وإصلاح القلب ومراقبة الله هو من صميم الدين لا شبهة فيه، بل هو المقصود بحديث جبريل حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (صحيح مسلم، كتاب الإيمان).
وقال زايد: فالتصوف ليس طارئا على الإسلام، بل هو عمقه الروحي وميدانه الأخلاقي الذي به تزكو النفوس وتستقيم القلوب.



