من الزوايا إلى قبة البرلمان.. باحث يكشف رحلة الصوفية في الحياة النيابية |خاص
أكد الباحث الصوفي مصطفى زايد أن منذ بدء المشروع التحديثي لمحمد علي باشا في القرن التاسع عشر، دخلت مصر مرحلة جديدة من بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وكان من أبرزها تأسيس المجالس النيابية التي حملت لاحقًا اسم "مجلس النواب", وبينما تفاعلت النخب الدينية والفكرية مع هذا التحول، برز دور الصوفية بوصفهم أحد المكونات الأصيلة في البنية الاجتماعية والروحية للمجتمع المصري، إذ انتقلوا من دوائر الزوايا إلى ساحة التمثيل النيابي والسياسي تدريجيًا، حتى صار لهم حضور مؤسسي فاعل في البرلمانات الحديثة.
المشاركة الصوفية
وقال مصطفى زايد لنيوز رووم : في الحقبة الأولى من عصر محمد علي والخديوي إسماعيل، لم تكن المشاركة الصوفية معلنة أو قائمة على هوية دينية سياسية، بل كانت اندماجًا ضمن نخب العلماء والأعيان الذين شكلوا نواة "مجلس شورى النواب" عام 1866، أول تجربة تمثيلية حديثة في مصر. كان العديد من هؤلاء الأعضاء ينتمون فعليًا إلى طرق صوفية مثل الخلوتية والرفاعية والبدوية، لكن انتماءهم ظل روحيًا لا سياسيا.
رموز الأزهر والعائلات الكبيرة
أضاف “زايد”: ومع مطلع القرن العشرين وحتى سقوط الملكية عام 1952، ظل الوجود الصوفي في المجالس محدودًا وغير منظم, فقد كانت الدولة تعتمد على رموز الأزهر والعائلات الكبيرة التي كان كثير منها ينتمي في الأصل إلى الطرق الصوفية، مثل العائلات الهاشمية والعطيفية في الصعيد. كان هذا التمثيل انعكاسًا لتأثيرهم الاجتماعي أكثر من كونه مشروعًا سياسيًا. (الكتاب الإحصائي لمجلس النواب 1946، صـ73).
تنظيم الطرق الصوفية
تابع الباحث الصوفي :في عهد جمال عبد الناصر، غاب التمثيل الحزبي الحقيقي بعد حل الأحزاب، لكن تلك المرحلة شهدت تحولًا جوهريًا حين بدأ العمل على تنظيم الطرق الصوفية بقانون رسمي صدر لاحقًا في عهد السادات تحت رقم 118 لسنة 1976، الذي أنشأ "المجلس الأعلى للطرق الصوفية" و"المشيخة العامة". (قانون الطرق الصوفية رقم 118 لسنة 1976، صـ2),هذا الإطار المؤسسي جعل من الصوفية كيانًا منظمًا يخضع لإشراف الدولة، فاتسع حضورهم في الحياة العامة كقوة اجتماعية مساندة للنظام.
التيارات الإسلامية السياسية
وأوضح مصطفى زايد أنه ومع سياسة الانفتاح في عهد أنور السادات، اتخذت الدولة موقفًا داعمًا للطرق الصوفية لموازنة التيارات الإسلامية السياسية، خاصة بعد صعود الإخوان المسلمين والسلفيين, بدأ مشايخ الطرق يشاركون بوضوح في دعم الحزب الحاكم، وبرزت شخصيات دينية ذات خلفية صوفية في المجالس النيابية، لكنها ظلت تدور في فلك الدولة دون كيان سياسي مستقل. (د. سامية مصطفى، الصوفية والسياسة في مصر، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2009، صـ41).
كتلة مؤثرة في الانتخابات
وفي عهد الرئيس حسني مبارك، أصبحت الصوفية كتلة مؤثرة في الانتخابات، خصوصًا في محافظات الوجه القبلي والدلتا. شهدت هذه المرحلة صعود عدد من النواب الذين جمعوا بين المشيخة البرلمانية والزعامة الروحية، من أبرزهم الشيخ عبد الهادي القصبي، شيخ الطريقة البدرية القصبية في قنا، الذي أصبح لاحقًا رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية وعضوًا بارزًا في مجلس الشعب لعدة دورات متتالية,كما برز أحمد أبو العلا ماضي، نائب الطريقة العلاوية، الذي مثّل الإسكندرية في برلمان 2005، مؤكدًا أن الصوفية باتت تمتلك حضورًا انتخابيا مؤثرا.
مرحلة جديدة من الانفتاح
ولفت “زايد” إلى أنه بعد ثورة 25 يناير 2011، دخلت الصوفية مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي، إذ أسست عدة طرق صوفية "حزب الأصالة" كذراع سياسي يعبّر عن توجهاتها، وشاركت به في أول انتخابات برلمانية بعد الثورة عام 2012. كان من أبرز المرشحين آنذاك عمرو ورداني، أحد رموز الشباب الصوفي، الذي مثّل الحزب في البرلمان ,شكلت هذه المشاركة الذروة السياسية للصوفية، إذ تحولت من دعم النظام إلى التمثيل الحزبي المباشر، في محاولة لمواجهة التيارين الإخواني والسلفي.
قوة روحية واجتماعية داعمة للاستقرار
وقال "زايد " بعد عام 2013 حيث عادت الصوفية إلى موقعها الطبيعي كقوة روحية واجتماعية داعمة للاستقرار, ففي انتخابات مجلس النواب 2020، شهدت الساحة فوز عدد من الشخصيات الصوفية البارزة مثل الدكتور محمد أبو هاشم، شيخ الطريقة الهاشمية ونائب محافظة الشرقية، ومحمود حسين حسني من مشايخ الطريقة الشاذلية عن دائرة طهطا بسوهاج،وفريد علي بيومي، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية ونقيب الأشراف عن دائرة كفر صقر بالشرقية، إلى جانب الشيخ مجدي كوكة، شيخ الطريقة البيومية ببني سويف.
رموز الفكر الصوفي المعاصر
كما شهد مجلس الشيوخ (2020–2025) تمثيلا نوعيًا بتعيين الشيخ الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وأحد رموز الفكر الصوفي المعاصر، ليكون صوتًا للتيار الوسطي في المؤسسة التشريعية. (اليوم السابع، القرار الجمهوري بتعيين أعضاء مجلس الشيوخ 2020.
المشاركة الصوفية في البرلمان المصري
وأكد الباحث الصوفي أن المشاركة الصوفية في البرلمان المصري مرت بثلاث مراحل أساسية: مرحلة الوجود الضمني ضمن النخبة التقليدية، ثم مرحلة التنظيم والانخراط في النظام الرسمي، وأخيرًا مرحلة الحضور السياسي المباشر عبر الأحزاب والتمثيل النيابي الصريح , ورغم اختلاف الأنظمة والتحولات السياسية، ظلت الصوفية محافظة على مكانتها بوصفها صمام أمان اجتماعيًا وروحيًا، تمارس تأثيرها عبر المشاركة المتوازنة لا الصدام، وعبر دعم الدولة والمجتمع في آنٍ واحد.



