رموز إسلامية| العكبري والأثرم.. نماذج مضيئة في مسيرة العلم والفقه
في سجل التراث الإسلامي تتلألأ أسماء العلماء الذين جمعوا بين الفقه والأدب والعلم والعمل، وكان لهم أثر بارز في بناء الفكر الإسلامي وترسيخ قيمه.,ومن بين هؤلاء يبرز اسم أبي علي الحسن بن شهاب العكبري، العالم الموسوعي الذي امتاز بسعة علمه وتنوع معارفه، إذ برع في الفقه والأدب والإقراء والحديث والشعر والفتيا، فكان أحد أعلام عصره الذين جمعوا بين عمق الفهم وغزارة الإنتاج العلمي.
خدمة العلم والأدب
بدأ العكبري طلبه للحديث وهو كبير السن، غير أن عزيمته لم تضعف، بل زادته التجربة نضجًا وإصرارا، حتى بلغ مكانة مرموقة بين العلماء, وقد تحدث عن جانب من حياته العلمية قائلاً: "كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضية، وكنت أشتري كاغدًا بخمسة دراهم، فأكتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليالٍ، وأبيعه بمائتي درهم، وأقله بمائة وخمسين درهمًا"، في إشارة إلى مهارته في النسخ ودقته في الصنعة، وحرصه على الجمع بين الكسب الحلال وخدمة العلم والأدب.
الفقه والفرائض
خلّف العكبري مؤلفات مهمة في الفقه والفرائض والنحو، كما ترك ثروة كبيرة من الأموال والعقارات والكروم. وقد أوصى بثلث ماله لطلاب الفقه من الحنابلة، إلا أن وصيته لم تُنفذ ولم يُعطَ المستحقون منها شيئًا، وهو ما يعكس جانبًا مؤلمًا من حياة بعض العلماء الذين أفنوا أعمارهم في العلم، ثم لم يُقدّر جهدهم بعد رحيلهم.
الرموز الإسلامية
ومن الرموز الإسلامية التي تركت أثرا خالدًا كذلك أبو بكر الأثرم، أحد أبرز تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل، والمشهود له بالحفظ والضبط والتمكن في علوم الحديث. قال عنه أبو بكر الخلال: "ذكر الأثرم فقال: جليل القدر حافظ". وقد رُوي أن عاصم بن علي بن عاصم لما قدم بغداد طلب من يخرج له فوائد يمليها، فلم يجد إلا الأثرم، فاستصغره أول الأمر لصغر سنه، لكن ما لبث أن أُعجب بعلمه ودقته حين بدأ الأثرم يصحح له الأحاديث ويبين مواضع الخطأ، فسرّ به إعجابًا كبيرًا، وأملى عليه قرابة خمسين مجلسًا.
هكذا كانت رموز الإسلامية نماذج فريدة في الجد والاجتهاد، قدّموا للعالم دروسًا في الإخلاص والعلم والزهد، فخلّد التاريخ أسماءهم، وبقي أثرهم شاهدًا على أن العلم لا يزدهر إلا على يد من نذروا له العمر كله بإخلاص وإيمان.


