ما هي الوصية الواجبة؟ .. مقدارها ولمن تجب والحكمة من تشريعها
ما هي الوصية الواجبة، ولمن تجب، وما مقدارها، وما مستندها الفقهي؟ أسئلة أوضحها الشيخ السيد مرعي زاهر الواعظ العام بالأزهر الشريف.
ما هو قانون الوصية الواجبة؟
وقال إن الوصية الواجبة عبارة عن وصية أوجبها القانون، لصنف معين من الأقارب حرموا من الميراث، لوجود حاجب لهم، لأن الأقرب يحجب الأبعد، وتجب بمقدار معين، وشروط معينة، وتنفذ بحكم القانون، سواء أنشأها المورث أم لم ينشئها ، وقد نص عليها القانون المصري سنة ١٩٤٦ م ، في المادة رقم : ( ٧٦ ) من قانون الوصية رقم: (٧١) لسنة ( ١٩٤٦ م) .
نص المادة ٧٦ من القانون ذي الرقم ٧١ لسنة ١٩٤٦ م ونصها ما يلي: إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذي مات في حياته أو مات معه ولو حكما بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا في تركته أو كان حيا عند موته وجبت للفرع في التركة وصية بقدر هذا النصيب في حدود الثلث بشرط أن يكون غير وارث وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض من طريق تصرف آخر قدر ما يجب له وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكمله.
وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وان نزلوا على ما يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره وأن يقسم نصيب كل أصل على فرعه وإن نزل قسمة الميراث كما لو كان أصله أو أصوله الذين يدلى بهم الى الميت ماتوا بعده وكان موتهم مرتبا كترتيب الطبقات.
مادة (٧٧):
إذا أوصى الميت لمن وجبت له الوصية بأكثر من نصيبه كانت الزيادة وصية اختيارية وإن أوصى له بأقل من نصيبه وجب له ما يكمله.
وإن أوصى لبعض من وجبت لهم الوصية دون البعض الآخر وجب لمن لم يوص له قدر نصيبه.
ويؤخذ نصيب من لم يوص له ويوفي نصيب من أوصى له بأقل مما وجب من باقي الثلث فان ضاق عن ذلك فمنه ومما هو مشغول بالوصية الاختيارية.
مادة (٧٨):
الوصية الواجبة مقدمة على غيرها من الوصايا.
فإذا لم يوص الميت لمن وجبت لهم الوصية وأوصى لغيرهم استحق كل من وجبت له الوصية قدر نصيبه من باقي ثلث التركة إن وفي وإلا فمنه ومما أوصى به لغيرهم.
وسميت وصية واجبة لأنها تنفذ وإن لم يوص بها الجد لأحفاده ، على عكس الوصية الاختيارية، التي لا تنفذ إلا إذا أوصى بها الشخص باختياره قبل موته .
لمن تجب الوصية الواجبة؟
تجب الوصية الواجبة لأولاد الفرع الوارث ، الذي مات في حال حياة أبويه أو أحدهما ، وتجب لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات فقط ( أولاد البنت التي ماتت في حياة أبويها أو أحدهما ، أما أولاد أولاد البنت فليست لهم وصية واجبة ) ، وتجب كذلك لأولاد الأبناء وإن نزلت طبقاتهم ، بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى ( أولاد الابن وأولاد ابن الابن وإن نزلوا ، أما أولاد بنات الابن فليست لهم وصية واجبة ) .
أي تجب: لفرع الولد المتوفى في حياة أصله مهما نزل ما دام من أولاد الظهور أي أولاد الذكور، فمثلا إذا توفي عن ابن ، وابن ابن ابن ابن فإن ابن ابن ابن الابن يستحق وصية واجبة، أما إذا كان من أولاد البطون أي فروع البنات استحقها إذا كان من الطبقة الأولى فقط ، وأولاد الظهور هم من لا يدخل في نسبهم إلى الميت أنثى ، كابن الابن وابن ابن الابن مهما نزل ، وبنت الابن مهما نزل أبوها ، أما أولاد البطون هم من ينتسبون إلى الميت بأنثى ، كابن البنت وابن بنت الابن ، أي أن الميت في حياة أصله إذا كان ذكرا استحق فرعه الوصية من غير تقييد بطبقة ، أما إذا كان أنثى كانت الوصية لأولادها فقط دون أولاد أولادها .
مقدار الوصية الواجبة
يستحق الأحفاد حصة والدهم المتوفى ، فتجب لهم وصية بمقدار نصيب ما كان يستحقه أصلهم ميراثًا في تركة والده لو كان حيًا عند موت الجد أو الجدة ، بشروط :
١ - ألا يزيد عن الثلث ، فإن زاد عن الثلث، أخذ الأحفاد الثلث فقط ، إلا إذا أجاز الورثة هذه الزيادة ، وفي حالة استحقاق أكثر من فرع للوصية الواجبة ، فيأخذ كل فرع نصيب أصله فقط ، بشرط ألا يزيد مجموع الوصايا عن الثلث ، ويقسم ما يخص كل أصل على فرعه ، قسمة الميراث للذكر ضعف الأنثى ، ويحجب الأصل فرعه ، ولا يحجب فرع غيره الأقل منه درجة .
٢ - أن يكون فرع الولد ( الحفيد ) غير وارث من المتوفى ، فإن كان وارثا ولو قليلاً فلا يستحق الوصية الواجبة ، لأنهم ورثة شرعيين ، حيث لا يجمع بين الوصية والميراث لشخص واحد .
٣ - ألا يكون المتوفى الميت ( الجد أو الجدة ) قد أعطاه قدر ما يساوي الوصية الواجبة، بوصية أو تبرع أو هبة أو غير ذلك ، فإن أعطاه ما يستحقه بهذه الوصية فلا تجب له ، وإن كان قد أعطاهم أقلَّ منها وجبت لهم وصيةٌ بما يكمل المقدار الواجب ، وإذا أعطى بعض المستحقين دون البعض الآخر ، وجب للمحروم وصية بقدر نصيبه.
التأصيل الفقهي لـ الوصية الواجبة
ذهب إليها بعض الفقهاء من التابعين وغيرهم من الأئمة، كسعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس وداود الظاهري وابن حزم الظاهري وابن جرير الطبري وأبي بكر بن عبد العزيز من الحنابلة وغيرهم، أن الوصية واجبة ديانة وقضاء للوالدين والأقربين الذين لا يرثون ، لحجبهم عن الميراث ، أو لمانع يمنعهم من الإرث كاختلاف الدين ، فإذا لم يوص الميت للأقارب بشيء وجب على ورثته أو على الوصي إخراج شيء غير محدد المقدار من مال الميت وإعطاؤه للوالدين غير الوارثين ، أخذاً من قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } [البقرة: 180] ، وهذه الآية محكمة غير منسوخة عندهم كما رجحه كثير من المحققين من أهل التفسير وغيرهم ، فالأقارب من غير الورثة تجب لهم الوصية بمقتضى هذه الآية الكريمة ، وما جاء فيها على سبيل الوجوب وليس الندب .
وقال الله تعالى: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامي والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفًا) .
وقد أخذ القانون المصري بهذا الرأي، وتبنى ما قاله بعض العلماء، فأوجب الوصية لبعض المحرومين من الإرث وهم الأحفاد الذين يموت آباؤهم في حياة أبيهم أو أمهم ، أو يموتون معهم ولو حكماً كالغرقى والحرقى ، وحكم الحاكم في المسائل الخلافية يقضي على هذا الخلاف .
فتجب هذه الوصية: أيضاً لفروع من مات مع أبيه أو أمه في حادث واحد، ولا يدرى أيهم سبقت إليه المنية، كالغرقى والهدمى والحرقى، ونحوهم ؛ لأن من جهل وقت وفاتهم لا يرث فقهاً أحدهم الآخر، فلا يرث الفرع أصله في تلك الحالة ، فتجب الوصية لذرية ذلك الفرع قانوناً.
وكما تجب للأحفاد الذين مات أبوهم أو أمهم حقيقة، تجب أيضاً لمن حكم بموت أبيه أوأمه ، كالمفقود الذي غاب أربع سنين فأكثر في مظنة هلاك، كالحرب ونحوها . مع العلم أن الوصية للأقارب الذين لا يرثون، مستحبة عند جمهور الفقهاء، ومنهم أئمة المذاهب الفقهية الأربعة، ولا تجب على الشخص إلا بحق لله أو للعباد .
الحكمة من تشريع نظام الوصية الواجبة
وشدد على أن الحكمة من تشريع نظام الوصية الواجبة: هو الحفاظ على الأسرة موحدة ومتماسكة، وأن فيها إقامة للعدل، ومعالجة مظاهر الظلم، وما ينتج عنها من بؤس وحرمان وفقر ؛ ذلك أنه في حالات كثيرة يتوفى الابن قبل والده، ويكون لذلك الوالد أبناء يمنعون أبناء المتوفى من الميراث، ومن ثَمَّ يُحْرَمُونَ نصيبهم من مال ربما كان لأبيهم اليد الطولى في جمعه وتثميره، فيؤول هذا المال إلى ملك الأعمام بحقهم في الميراث، وينالون بسببه حظهم الوافر من المتاع الدنيوي، وأبناء المتوفى إلى جانبهم يعانون شظف العيش، وفي هذا تقطيع لآصرة الرحم وبعث الأحقاد واستشعار لمرارة الظلم والحرمان ، فجاء قانون الوصية الواجبة المستمد من نظرات صائبة لنفر من صالحي السلف من فقهاء ومحدثين ؛ ليسد هذه الثلمة وليعالج مصدرًا من مصادر الشكوى التي غدت تتعالى وتتكر في مجتمعنا من خلال ما أذنت به مرونة آراء الفقهاء من تشريع ( الوصية الواجبة) .




