عاجل

من مخبأ إلى مخبأ.. تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل اغتيال حسن نصر الله

اغتيال حسن نصر الله
اغتيال حسن نصر الله

في الأشهر التي سبقت اغتياله، بدا الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، واثقاً من أن الحرب الدائرة ستظل محكومة بسقف قواعد الاشتباك التي رسمت ملامح الصراع مع إسرائيل منذ عام 2006، حيث كان رهانه الأساسي على أن طهران، التي احتضنت مشروع “محور المقاومة” في لبنان لعقود، لن تترك الحزب يواجه مصيره وحيداً، لكن هذا الرهان سقط مع توالي الضربات، وكانت النتيجة سلسلة من الخسائر الحادة في البنية القيادية والتنظيمية، انتهت باغتياله في 27 سبتمبر 2024.

حيث إن سوء التقدير، والتفوق الإسرائيلي في الحرب المعلوماتية، والانقطاع القيادي داخل حزب الله، شكلوا عوامل حاسمة في تحول المواجهة من حرب محدودة إلى معركة استنزاف وجودية.

سقوط العيون الثلاث

منذ يناير 2024، ومع ارتفاع وتيرة الضربات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، بدأت تتساقط رؤوس بارزة في الهرم الميداني للحزب، قتل وسام الطويل، القيادي في وحدة الرضوان، ثم تلته تصفية طالب عبد الله “أبو طالب”، القائد العسكري في المنطقة الوسطى من الحدود، وصولاً إلى إبراهيم عقيل، رئيس المجلس العسكري، هؤلاء الثلاثة الذين وصفهم مصدر شيعي بارز بالعيون الثلاث لنصر الله شكلوا امتداداً ميدانياً ضرورياً لقيادته المركزية، ومع رحيلهم دخل نصر الله في عتمة القرار.

لم تكن المشكلة في فقدان القادة فقط، بل في غياب القدرة على تعويضهم، فكما توضح مصادر لبنانية مطلعة، لم يكن هؤلاء جزءاً من هيكل مؤسساتي مرن، بل كانوا يمثلون حلقات منفصلة من الخبرة والتكتيك والسرية، ومع كل اغتيال، كان الحزب يخسر قطعة فريدة لا يمكن إعادة إنتاجها بسهولة.

تفجيرات البيجر وانهيار إتصال الحزب

مع تعمق الأزمة، لجأ حزب الله إلى مراجعة منظومته الاتصالية، فقد أدى تفجير شبكة «البيجر» اللاسلكية التي كانت تشكل العمود الفقري للتواصل بين القيادات والوحدات، إلى حالة شلل شبه كاملة في القيادة الميدانية،وانقطعت وحدات بأكملها عن التوجيه، والضباط الجدد وجدوا أنفسهم في فراغ تكتيكي.

وتقول شخصية دينية شيعية بارزة، فقدت أربعة من أفراد عائلتها خلال الحرب، إن نصر الله كان يملك «هوساً ميدانياً»، لكن أدواته تهاوت تباعاً، مضيفًا أنه لم تكن المعلومات تصل كما يجب، وصارت الطائرات المسيرة الإسرائيلية تعرف عن تحركات الحزب أكثر من القادة الجدد أنفسهم.

اغتيال صالح العاروري في ضاحية جنوب لبنان

في الأيام الأولى من عام 2024، ضربت إسرائيل مكتب حركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتالت صالح العاروري، ثم باغتت الحزب مجدداً باغتيال وسام الطويل، وبدأت الشكوك داخل صفوف حزب الله، بدأت تتسرب، وبدأت دائرة نصر الله تبحث عن الخرق الأمني. 

وأكدت مصادر عراقية شيعية على تماس مع الحزب، أن قنوات الاتصال كانت تتغير باستمرار، دون تفسير، في محاولة لاكتشاف التسريبات، لكن الأمر كان أعمق من ذلك؛ تفوق تكنولوجي، وأسلوب اغتيالات عالي الدقة، وفقدان كامل لمعادلة الردع.

صالح العاروري
صالح العاروري

إيران لم تتحرك كما يجب

كان رهان نصر الله على التدخل الإيراني حاسماً، لكن طهران لم تتحرك كما كان يتوقع، فبحسب شهادات من شخصيات عراقية على صلة وثيقة بالحزب، فإن الفصائل الموالية لإيران أبدت استعدادها للقتال إلى جانبه، غير أن القيادة الإيرانية لم تطلب منها سوى التصعيد الإعلامي، وأكد أحد القادة في كتائب سيد الشهداء أن أوامر الاستنفار التي صدرت لم تُترجم إلى تحرك فعلي على الأرض.

والسبب، وفق تحليل باحثين، هو أن طهران لم تكن قادرة على مجاراة وتيرة الحرب التي فرضتها إسرائيل، والتي استندت إلى نموذج حربي جديد، خارج منطق الردع المتبادل، وللمرة الأولى بدا أن حزب الله وإيران معاً فوجئا بما يشبه هجوماً على غرار 11 سبتمبر، دون أن يمتلكا خريطة للاستجابة.

اغتيال حسن نصر الله.. تخاذل إيراني أم سوء تقدير حزب الله ؟

في اليوم الأخير من حياة نصر الله، شارك في تشييع محمد سرور، قائد وحدة المسيرات، قبل أن يتجه إلى مخبئه في حارة حريك، رافقه عباس نيلفوروشان، نائب قائد فيلق القدس الإيراني 

وداخل مقر سري، أنهت غارة إسرائيلية وجود نصر الله ومعه أحد أهم الجسور بين الحزب وطهران، واستخدمت إسرائيل ذخائر خارقة للتحصينات، في عملية وصفت بأنها أعقد اغتيال منذ سنوات.

بعدها، انفجرت الأسئلة في أوساط جمهور الحزب هل خذلت إيران نصر الله؟ أم أن الأخير هو من تمادى في حرب لم يفهم توقيتها؟ يرى باحثون أن كليهما وقع في فخ حسابات خاطئة، حيث توقّع الطرفان أن تلعب الحرب تحت سقف مألوف، لكن إسرائيل كانت تتحرك ضمن معادلة جديدة، لم تُدرَك أبعادها إلا بعد فوات الأوان.

صمت الوسطاء وغروب الردع

خلافاً لما اعتادت عليه حروب سابقة، لم يبرز دور للوسطاء الدوليين في خفض التصعيد، حيث إن الأوروبيين غابوا، والأمم المتحدة كانت عاجزة، وأدركت طهران متأخرة أن الميدان قد تغير، وأن حسن نصر الله لم يعد قادراً على إدارة الصراع كما كان في السابق.

ومع أن الحزب حاول لاحقاً بث رسائل صاروخية في الأيام الأخيرة، مستخدماً مشغّلين جدداً للصواريخ الاستراتيجية، إلا أن الضربات كانت قد أنجزت مفعولها، حيث إن المشكلة لم تكن فقط في مقتل القادة، بل في قتل المشغلين، كما يقول خبير عسكري لبناني، فهؤلاء وهم نخب تقنية نادرة، شكل غيابهم فجوة نوعية أكثر فتكاً من خسارة القادة.

لبنان ما بعد الحرب... سلام مشروط بالنار

عام مضى على توقف النار، لكن الجنوب ما زال تحت النار، شخصيات لبنانية من بيئة الحزب تقول إن الهدوء ليس سوى استراحة مؤقتة، وإن لبنان لن يخرج من دائرة النزاع الإقليمي لا سياسياً ولا أمنياً.

أما الدرس الأكبر، فربما يتلخص في عبارة وردت على لسان أحد مصادر التحقيق أن إسرائيل كانت مستعدة لحرب جديدة، أما حزب الله، فظل يعيش داخل قواعد الحرب القديمة.

تم نسخ الرابط