يهودي الديانة وفلسطيني الهوية.. من هو نادر صدقة المحرر من سجون إسرائيل؟

أفرجت إسرائيل يوم الإثنين، عن نادر صدقة، السجين السامري الذي أمضى 21 عامًا في السجون الإسرائيلية، ضمن صفقة تبادل الأسرى التي عقدت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بحضور دولي من شرم الشيخ.
من هو نادر صدقة؟
يمثل نادر صدقة شخصية فلسطينية فريدة جمعت بين الانتماء الديني للطائفة السامرية والالتزام الوطني بالمقاومة، حيث ولد عام 1977 في مدينة نابلس، وترعرع على جبل جرزيم المقدس لدى السامريين، ودرس التاريخ والآثار بجامعة النجاح، وبرز كقائد ميداني ومفكر داخل الحركة الطلابية، ثم كمقاوم شرس في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حتى أصبح أول وأسير سامري في السجون الإسرائيلية، وأحد أبرز رموز الحركة الأسيرة.

وجهت إليه تهم ثقيلة.. فحكم عليه بـ6 مؤبدات
وكانت قوات الاحتلال اعتقلت نادر صدقة خلال انتفاضة الأقصى في أغسطس 2004، بعد مطاردة دامت نحو عامين، إثر نشاطه ضمن الجبهة الشعبية وتوليه قيادة كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في مدينة نابلس.
وبعد اعتقاله من مخيم العين، خضع لتحقيق قاسي في معتقل "بيتاح تكفا"، وواجه تهمًا عديدة بينها تنفيذ هجمات على مواقع عسكرية، أبرزها عملية حاجز الحمرا التي قُتل فيها جنديان إسرائيليان، ليتم الحكم عليه بـ6 مؤبدات و45 عامًا إضافية.
صمد تحت التعذيب.. ورفض الوقوف أمام القضاة
أظهر صدقة صلابة لافتة منذ لحظة اعتقاله؛ رفض الاعتراف أو التعاون مع المحققين، ولم يقف للقضاة أثناء محاكمته العسكرية، حين نطق بالحكم، رد على القاضي بشتيمةٍ صريحة، مما أدى إلى تشديد الحكم، وعاش لفترات طويلة في العزل الانفرادي بسبب تواصله مع القيادي أحمد سعدات داخل السجن.
حالة رمزية داخل الأسر
وجسد نادر صدقة حالة استثنائية داخل الحركة الأسيرة، كونه السجين الفلسطيني الوحيد من الطائفة السامرية، الطائفة اليهودية الأصيلة التي تعيش على جبل جرزيم منذ آلاف السنين، ومثّل وجوده كسامري مقاوم خرقًا لصورة حاول الاحتلال ترسيخها عن الطائفة ككيان محايد أو تابع، فصار هدفًا لمحاولات محوه سياسيًا ونفسيًا.
رفضت إسرائيل إدراجه في صفقات سابقة
تجاهلت إسرائيل إدراج نادر في جميع صفقات التبادل السابقة، بما فيها صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، وصفقات "طوفان الأحرار" الأولى خلال الحرب على غزة، رغم مطالبات سامرية وفلسطينية واسعة.

و اعتبر الاحتلال الإفراج عنه تهديدًا لصورة الدولة العبرية أمام الأقلية السامرية، التي تحاول تطويعها وتحييدها.
حررته غزة.. فقال: "لا قول فوق قول غزة"
أطل نادر صدقة من بوابة الحرية بكلمات مقتضبة لكنها مدوية، قائلاً من قلب نابلس: "لا قول فوق قول غزة"، في تحية رمزية لتضحيات القطاع وصموده، وشكلت عبارته أول رسالة سياسية تصدر عن الأسير المحرر، وعبرت عن موقف وحدوي يختزل مشاعر آلاف الأسرى الذين نالوا حريتهم على وقع صواريخ المقاومة.
حوّل السجن إلى منبر للوعي والثقافة
وتحوّل صدقة خلف القضبان إلى مثقف ومرجع فكري داخل الحركة الأسيرة، استثمر سنوات اعتقاله في قراءة التاريخ والفقه السياسي، وشارك في تثقيف الأسرى وتنظيم إضراباتهم، مستخدمًا إتقانه للغة العبرية لمخاطبة إدارة السجون وفضح ممارساتها، نشرت له مقالات وتحليلات فكرية، واعتبر "مفكر السجن"، ومثالاً على أن المقاومة لا تتوقف عند الزنزانة.
من جبل جرزيم إلى كل فلسطين
وعلى الرغم من محاولات الاحتلال لعزله عن مجتمعه الأصلي، ظل نادر مرتبطًا بجبل جرزيم، ومعبرًا عن فخره بسامريته وفلسطينيته في آن واحد، ومثّل نقطة التقاء بين التراث السامري العميق والانتماء الفلسطيني الواضح، رافضًا الانزلاق نحو التطبيع أو الحياد، ومتمسكًا بموقفه القائل: "لا سلام بلا حرية، ولا هوية بلا مقاومة".

إسرائيل تمنع نادر من العودة إلى جرزيم
تعتزم إسرائيل منع نادر من العودة إلى جبل جرزيم بعد الإفراج عنه، في خطوة تهدف لطمس رمزيته داخل طائفته ومحيطه، ولكن صورته كمناضل سامري فلسطيني تجاوزت حدود الجغرافيا، لترسخ في الذاكرة الفلسطينية كأيقونة للصمود، وكسر للحواجز الدينية والاجتماعية التي حاول الاحتلال فرضها.
انتزع حريته ولم يمنحها
لم يكن تحرر نادر صدقة "منحةً إنسانية"، بل نتيجة مباشرة لصمود غزة وصفقات المقاومة، ومثل خروجه من الأسر إعلانًا جديدًا بأن فلسطين ليست حكرًا على دين أو فصيل، بل فكرة جامعة تتجسد في أمثال "السامري" الذي دفع عمره من أجلها، ولم يبدل يومًا.