ما فضل قيام الليل؟.. ركعتان قد تصنع المعجزات فادركهما الآن

أكدت دار الإفتاء أن صلاة الليل من أجلِّ العبادات وأعظمها، وأفضل القربات وأحسنها، وهي دأب الصالحين، وسبيل الفالحين، امتدحها وامتدح أهلها رب العالمين؛ فقال في محكم آياته وهو أصدق القائلين:
﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 16-17].
ماذا يقول العلماء؟
قال الإمام الزمخشري في الكشاف: تتجافى ترتفع وتنحى عن المضاجع عن الفرش ومواضع النوم، داعين ربهم، عابدين له، لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته، وهم المتهجدون. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تفسيرها: «قيام العبد من الليل». والمعنى: لا تعلم النفوس كلهن، ولا نفس واحدة منهن، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، أي نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو، مما تقر به عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها، ثم قال: جزاء بما كانوا يعملون، فحسم أطماع المتمنين.
ولما كان الليل ينقسم إلى أجزاء يختص بعضها بمزية عن غيرها من الفضل والأجر، احتاج المسلم أن يعرف هذه الأوقات ابتغاء نيل بركتها وإحيائها بالعبادة من القيام، والتهجد، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء وقت السحر، والحرص على إيقاع الأذكار في أوقاتها المحبوبة، فإن خير الناس من يراعي الأوقات لأجل ذلك؛ فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله».
قال زين الدين المناوي في فيض القدير: إن خيار عباد الله أي من خيارهم الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة أي يترصدون دخول الأوقات بها لذكر الله أي لأجل ذكره تعالى من الأذان للصلاة ثم لإقامتها، ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة.
بيان تحديد وقت الليل بداية ونهاية ودليل ذلك
اتفق الفقهاء على أن أول الليل يبدأ مع غروب الشمس، واختلفوا في تحديد آخره: هل ينتهي بطلوع الفجر، أو بطلوع الشمس؟
والراجح من أقوال الفقهاء: أنه ينتهي بطلوع الفجر الصادق المعترض في الأفق؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: 114]، فالمقصود بقوله تعالى: ﴿طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ أي: صلاة المغرب وصلاة الفجر؛ كما نقل الإمام الطبري في جامع البيان بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم رجح ذلك بقوله: وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هي صلاة المغرب، كما ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وإنما قلنا هو أولى بالصواب؛ لإجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر، وهي تُصلى قبل طلوع الشمس، فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعًا أن تكون صلاة الطرف الآخر المغرب؛ لأنها تُصلَّى بعد غروب الشمس.
فإذا كانت صلاتا المغرب والفجر طرفي النهار، دل ذلك على أن ما بينهما هو وقت الليل، ويؤيد ذلك قول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]، وقوله تعالى: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: 5].
ووجه ذلك: أن “حتى” تفيد انتهاء الغاية، فدل على أن ليالي شهر رمضان المبارك التي يباح فيها الأكل والشرب تنتهي بطلوع الفجر، وكذا ليلة القدر، ولا وجه لتخصيص انتهاء هذه الليالي بطلوع الفجر دون غيرها؛ لأن الليالي كلها تكون بهذه الصفة.
قال فخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب: قولنا: “من أول طلوع الفجر الصادق”، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾، وكلمة ﴿حَتَّى﴾ لانتهاء الغاية، وكان الأعمش يقول: أول وقته إذا طلعت الشمس، وكان يبيح الأكل والشرب بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، ويحتج بأن انتهاء اليوم من وقت غروب الشمس، فكذا ابتداؤه يجب أن يكون من عند طلوعها، وهذا باطل بالنص الذي ذكرناه.
وهو ما نص عليه جمهور أهل اللغة والتفسير.
قال العلامة أبو العباس الفيومي في المصباح المنير: الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وقال شمس الدين الخطيب الشربيني في السراج المنير: والليل مدة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية. بل نقل العلامة ابن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع اتفاق العلماء على هذا التحديد.