مساجد تاريخية|المسجد الأحمدي بطنطا من خلوة صغيرة إلى منارة علمية صوفية

يعد مسجد السيد أحمد البدوي المعروف أيضًا باسم المسجد الأحمدي، أكبر وأشهر مساجد مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ومن أبرز المعالم الدينية في مصر التي تجمع بين التاريخ والعلم والتصوف.
خلوة صغيرة
بعد وفاة سيدي أحمد البدوي أحد أعلام الولاية والصلاح، يوم الثلاثاء الموافق 12 ربيع الأول عام 675 هـ / 24 أغسطس 1276م بمدينة طنطا، عن عمر ناهز تسعة وسبعين عامًا، تولّى تلميذه عبد العال رعاية طريقته، فبنى له مسجده الأول, وكان في بدايته عبارة عن خلوة صغيرة ملاصقة للضريح الشريف، ثم تحولت الخلوة إلى زاوية يقصدها المريدون وأتباع الطريقة الأحمدية، قبل أن يشهد المسجد تطورًا كبيرًا في الآونة الأخيرة.
نقلة معمارية كبرى
شهد المسجد الأحمدي نقلة معمارية كبرى في زمن علي بك الكبير، الذي أنشأ القباب والمقصورة النحاسية حول الضريح الشريف، ووسع المسجد حتى أصبح من كبريات مساجد مصر. كما أوقف أراضي زراعية وعقارات للإنفاق على المسجد والعلماء والفقراء وطلاب العلم وأتباع الطريقة الأحمدية، في فترة انفصاله عن الدولة العثمانية أثناء حكمه لمصر.
ووصفه المؤرخ الكبير علي باشا مبارك في موسوعته الخطط التوفيقية بقوله: «إنه لا يفوقه في التنظيم وحسن الوضع والعمارة إلا قليل»، مشيدًا بجمال بنائه ودقّة تخطيطه وروعة زخارفه.
تحول المسجد الأحمدي إلى معهد علمي كبير للعلوم الإسلامية
وخلال القرن الثاني عشر الهجري، تحول المسجد الأحمدي إلى معهد علمي كبير للعلوم الإسلامية على غرار الجامع الأزهر، وبلغ عدد طلابه آنذاك أكثر من ألفي طالب، وكان له شيخ خاص كشيخ الأزهر، مما جعله مركزًا إشعاعيًا للعلوم الدينية واللغوية والفقهية. وبلغ المعهد ذروة ازدهاره في القرن الرابع عشر الهجري، وشهد عمليات توسعة وتطوير في عهد الوالي عباس الأول.
أشهر الموالد الدينية في مصر
أما مولد السيد أحمد البدوي، فهو من أكبر وأشهر الموالد الدينية في مصر، حيث تشارك فيه نحو سبعٍ وستين طريقة صوفية من مختلف المحافظات، ويقام الاحتفال عادة في منتصف شهر أكتوبر من كل عام في رحاب المسجد الأحمدي، ويستمر لمدة أسبوع كامل وسط أجواء روحانية وإجراءات تنظيمية وأمنية دقيقة.
ولا يقتصر المولد على الجانب الديني فقط، بل يمثل ملتقى اجتماعيًّا وروحيًّا وثقافيًّا يجمع المصريين من شتى بقاع البلاد، إذ يرتبط به تقليد شعبي عريق يتمثل في انتقال الزائرين من طنطا إلى مدينة دسوق عقب انتهاء المولد مباشرة، للاحتفال بمولد سيدي إبراهيم الدسوقي، في مشهد يرمز إلى ترابط الشمال والجنوب في وحدة روحية فريدة.
ويُقام للسيد البدوي كذلك مولد آخر في شهر رجب يعرف بـ المولد الرجبي، يحتفل به أتباعه ومحبوه في النصف الأول من شهر أبريل من كل عام، تجديدًا للعهد بالوليّ الكبير، وإحياءً لذكراه المباركة التي ما تزال حاضرة في قلوب المصريين جيلاً بعد جيل.