عاجل

ما حكم الزواج من مجهولة النسب.. وهل يتساوى الحكم بالنسبة للرجل والمرأة؟

الزواج
الزواج

ما حكم الزواج من مجهولة النسب .. وهل يتساوى الحكم بالنسبة للرجل والمرأة ؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية أن اعتبار الكفاءة في النسب إنما يُراعى في جانب الرجل دون المرأة؛ لأنه هو من يتقدم بطلب الزواج ويختار من يريد الارتباط بها، فقبوله بزواجٍ من غير كفءٍ له يكون متحققًا ضمنًا. أما المرأة، فهي التي ينبغي أن تُنظر كفاءته قبل إتمام الزواج، هل يناسبها أم لا.
وبناءً على ذلك، فلا حرج في الزواج من هذه الفتاة، خصوصًا إذا كانت معروفة بالدين والخلق الحسن، فذلك هو الأساس الذي اعتمده جمهور الفقهاء في اختيار الزوجة، ولا يُؤثِّر في ذلك كونها لقيطة أو مجهولة النسب.

تعريف مجهولة النسب:


مجهولة النسب هي الفتاة التي لم يُعرف لها والدان، وتربت في كنف غير أهلها، سواء في بيت كفالة أو غيره. وقد أوضح الشرواني الشافعي في حاشيته على تحفة المحتاج أن مجهولة النسب هي التي لا يُعرف أبوها، وربما لا يُعرف لها أب ولا أم ولا أقارب، كاللقيطة التي انقطعت صلتها بنسب معروف.

الكفاءة في الزواج وأثرها:


الكفاءة في الزواج تعني المساواة والمماثلة بين الزوجين في بعض الجوانب الاجتماعية والدينية، كالنسب، والحرية، والدين، والحرفة، والمال. والمقصود منها ضمان التوافق الاجتماعي والنفسي، وتحقيق الاستقرار الأسري، وتجنب ما قد يترتب على الفوارق من مشكلات أو تعيير.

وقد اختلف الفقهاء في اعتبار الكفاءة شرطًا لصحة النكاح على رأيين:

الرأي الأول: أن الكفاءة ليست شرطًا في صحة الزواج، بل المقصود بها المصلحة الاجتماعية فقط. وهو قول سفيان الثوري، والحسن البصري، وحماد، وابن حزم، ورُوي عن عدد من الأئمة كمالك والشافعي وأحمد في رواية. واستدلوا بأن الناس سواسية، وأن الكفاءة لا تُبطِل الزواج، بل هي حقٌّ للمرأة ووليها، فمن لم يرضَ فله الفسخ، لا البطلان.

الرأي الثاني: أن الكفاءة شرط معتبر في النكاح، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة، مستدلين بحديث النبي ﷺ:

«تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ»
وبحديثه ﷺ:
«لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ إِلَّا الْأَكْفَاءَ».

ووجه الدلالة أن فقدان الكفاءة يُعد تصرفًا في حق الغير بغير إذنه، لأن الأولياء شركاء في حق المرأة، فلا يصح تزويجها إلا من كفءٍ لها.

أما من نفى اشتراط الكفاءة فاستدل بقوله تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾،
وقوله تعالى:
﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾،
وبزواج أسامة بن زيد –وهو من الموالي– بفاطمة بنت قيس القرشية، وهو ما يؤكد أن التفاضل الحقيقي بالتقوى لا بالنسب.

هل النسب من خصال الكفاءة؟


اختلف الفقهاء في كون النسب من خصال الكفاءة:
• الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد اعتبروا النسب من صفات الكفاءة، لأنه مما يُراعَى في الأعراف الاجتماعية.
• المالكية والحنابلة في الرواية الأخرى (وهي المفتى بها) لم يعتبروا النسب من خصال الكفاءة، ورأوا أن الكفاءة تتحقق في الدين والخلق فقط، لا بالحسب والنسب.

وقد صرّح بعض الفقهاء بكراهة نكاح بنت الزنا أو اللقيطة، لا تحريمًا، وإنما لما قد يراه الناس من نقصٍ في الأصل، مع تأكيدهم أن المعيار الشرعي هو الدين والخلق لا النسب.

نسبية الكفاءة واختلاف العرف:


الكفاءة في الزواج مسألة نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان والعرف، فهي تتأثر بالعادات الاجتماعية، ولذلك لم يحددها الفقهاء تحديدًا ثابتًا. وغالبًا ما يكون طلب الكفاءة من جهة المرأة وأوليائها، لأن الرجل هو من يُقدِم على الزواج مختارًا.

ولهذا اعتمد القانون المصري مذهب الحنفية، الذين جعلوا الكفاءة معتبرة في جانب الزوج فقط دون الزوجة.

المعيار الأهم في الاختيار: الدين والخلق


حثت السنة النبوية على اختيار الزوجة ذات الدين والخلق الكريم، وجعلت ذلك أساسًا في الزواج، فقال النبي ﷺ:

«تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ… فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ».
وقال أيضًا ﷺ:
«لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ… وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ».
كما قال ﷺ:
«إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ».

فالدين والخلق هما المعياران الحقيقيان في الكفاءة، لا الحسب ولا المال، كما قال الله تعالى:

﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

الزواج من مجهولة النسب ذات الدين والخلق:


إذا كانت المرأة ذات دين واستقامة وخلق حسن، فلا مانع من الزواج بها، حتى وإن كانت لقيطة أو مجهولة النسب، لأن الإسلام جعل التفاضل بالتقوى لا بالأصل. وقد بيَّن القاضي عبد الوهاب المالكي أن الكفاءة المعتبرة هي كفاءة الدين، مستدلًا بقول النبي ﷺ:

«إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ».

وأما الحديث الضعيف: «إيّاكم وخضراء الدمن» فالمقصود به النهي عن الزواج لأجل الجمال فقط دون النظر إلى الدين، وليس ذمًّا للمنبت أو الأصل.

لذلك أجمع الفقهاء على أن الأفضل الزواج من صاحبة الدين، ولو كانت لقيطة أو مجهولة النسب، لأن كرامة الإنسان في الإسلام تقوم على تقواه وسلوكه، لا على حسبه ونسبه.

تم نسخ الرابط